الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
باب من الوكالة بالبيع والشراء قال رضي الله عنه : الأصل في هذا الباب أن الوكيل متى قدر على تحصيل مقصود الموكل ، بما سمى له ، جاز التوكيل ، وإلا فلا ; لأن الوكالة غير مقصودة لعينها ، بل المقصود شيء آخر ، يحصل للموكل ، فإذا قدر على تحصيل مقصوده بما سمي له كان هذا عقدا مقيدا للمقصود ، فصح وإلا فلا .

وأصل آخر أن ما سماه في الوكالة ; إذا كان يتناول أجناسا مختلفة لا يصح التوكيل به سواء سمي الثمن أو لم يسم ، لأن جهالة الجنس جهالة متفاحشة ، وتسمية الجنس والثمن لا يصير الجنس معلوما بها ، فإن كل جنس فيه ما يوجد بذلك الثمن ، فلا يقدر الوكيل على تحصيل مقصود الموكل ، وإذا سمى الجنس اشتمل على أنواع مختلفة ، فإن بين الثمن ، أو النوع جاز التوكيل ، وإلا فلا ; لأن بيان مقدار الثمن يصير النوع معلوما .

وإن سمى الجنس والنوع ، ولم يبين الصفة جازت الوكالة سواء سمي الثمن ، أو لم يسم وهذا استحسان ، وفي القياس : لا يجوز ما لم يبين الصفة .

وجه القياس : أن التوكيل بالبيع والشراء معتبر بنفس البيع والشراء ، فلا يجوز إلا ببيان وصفه المعقود عليه ، ألا ترى أنا نجعل الوكيل كالمشتري لنفسه ، ثم البائع من الموكل .

وكان [ ص: 39 ] بشر المريسي - رحمه الله - يأخذ بالقياس إلى أن نزل به ضيف فدفع الدراهم إلى إنسان ; ليأتي له برءوس مشوية ، فجعل يصفها له ، فعجز عن علمه بالصفة ، فقال له : اصنع ما بدا لك ، فذهب الرجل ، واشترى الرءوس ، وحملها إلى عياله ، وعاد إلى بشر بعد ما أكلها مع عياله ، فقال له : أين ما قلت لك عنه ، فقال : قلت لي اصنع ما بدا لك ، وقد بدا لي ما فعلت ، فرجع عن قوله ، وأخذ بالاستحسان .

ووجه الاستحسان ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم { : أنه دفع دينارا إلى حكيم بن حزام رضي الله عنه ، وأمره بأن يشتري له شاة للأضحية ، ولم يبين صفتها ، } ثم الوكالة عقد مبني على التوسع ، والجهالة في الصفة جهالة مستدركة ، وذلك عفو في العقود المبنية على التوسع ; وهذا لأن الوكالة لا يتعلق بها اللزوم ، والمقصود بها الرفق بالناس ، وفي اشتراط بيان الوصف بعض الحرج ، فسقط اعتباره

التالي السابق


الخدمات العلمية