الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8108 ) مسألة ; قال : ( ولو حلف أن يضرب عبده في غد ، فمات الحالف من يومه ، فلا حنث عليه ، وإن مات العبد ، حنث ) أما إذا مات الحالف من يومه فلا حنث عليه ; لأن الحنث إنما يحصل بفوات المحلوف عليه في وقته ، وهو الغد ، والحالف قد خرج عن أن يكون من أهل التكليف قبل الغد ، فلا يمكن حنثه . وكذلك إن جن الحالف في يومه . فلم يفق إلا بعد خروج الغد ; لأنه خرج عن كونه من أهل التكليف . وإن هرب العبد ، أو مرض العبد أو الحالف ، أو نحو ذلك ، فلم يقدر على ضربه في الغد ، حنث .

                                                                                                                                            وإن لم يمت الحالف ، ففيه مسائل [ ص: 39 ] أحدها ، أن يضرب العبد في غد ، أي وقت كان منه ، فإنه يبر في يمينه ، بلا خلاف . الثانية ، أمكنه ضربه في غد ، فلم يضربه حتى مضى الغد ، وهما في الحياة ، حنث أيضا ، بلا خلاف . الثالثة ، مات العبد من يومه ، فإنه يحنث . وهذا أحد قولي الشافعي . ويتخرج أن لا يحنث .

                                                                                                                                            وهو قول أبي حنيفة ، ومالك ، والقول الثاني للشافعي ; لأنه فقد ضربه بغير اختياره ، فلم يحنث ، كالمكره والناسي . ولنا ، أنه لم يفعل ما حلف عليه في وقته ، من غير إكراه ولا نسيان ، وهو من أهل الحنث ، فحنث ، كما لو أتلفه باختياره ، وكما لو حلف ليحجن العام ، فلم يقدر على الحج ; لمرض ، أو عدم النفقة ، وفارق الإكراه والنسيان ، فإن الامتناع لمعنى في الحالف ، وها هنا الامتناع لمعنى في المحل ، فأشبه ما لو ترك ضربه لصعوبته ، أو ترك الحالف الحج لصعوبة الطريق وبعدها عليه فأما .

                                                                                                                                            إن كان تلف المحلوف عليه بفعله أو اختياره ، حنث ، وجها واحدا ; لأنه فوت الفعل على نفسه . قال القاضي : ويحنث الحالف ساعة موته ; لأن يمينه انعقدت من حين حلفه ، وقد تعذر عليه الفعل ، في الحال ، كما لو لم يؤقت ، ويتخرج أن لا يحنث قبل الغد ; لأن الحنث مخالفة ما عقد يمينه عليه ، فلا تحصل المخالفة إلا بترك الفعل في وقته . الرابعة ، مات العبد في غد قبل التمكن من ضربه ، فهو كما لو مات في يومه . الخامسة ، مات العبد في غد ، بعد التمكن من ضربه ، قبل ضربه ، فإنه يحنث ، وجها واحدا . وقال بعض أصحاب الشافعي : يحنث قولا واحدا . وقال بعضهم : فيه قولان .

                                                                                                                                            ولنا ، أنه يمكنه ضربه في وقته ، فلم يضربه ، فحنث ، كما لو مضى الغد قبل ضربه . السادسة ، مات الحالف في غد ، بعد التمكن من ضربه ، فلم يضربه ، حنث ، وجها واحدا ; لما ذكرنا . السابعة ، ضربه في يومه ، فإنه لا يبر . وهذا قول أصحاب الشافعي . وقال القاضي ، وأصحاب أبي حنيفة : يبر ; لأن يمينه للحث على ضربه ، فإذا ضربه اليوم ، فقد فعل المحلوف عليه وزيادة ، فأشبه ما لو حلف ليقضينه حقه في غد ، فقضاه اليوم .

                                                                                                                                            ولنا ، أنه لم يفعل المحلوف عليه في وقته ، فلم يبر ، كما لو حلف ليصومن يوم الجمعة ، فصام يوم الخميس ، وفارق قضاء الدين ، فإن المقصود تعجيله لا غير ، وفي قضاء اليوم زيادة في التعجيل ، فلا يحنث فيها ; لأنه علم من قصده إرادة أن لا يتجاوز غدا بالقضاء ، فصار كالملفوظ به ، إذ كان مبنى الأيمان على النية ، ولا يصح قياس ما ليس بمثله عليه ، وسائر المحلوفات لا تعلم منها إرادة التعجيل عن الوقت الذي وقته لها ، فامتنع الإلحاق ، وتعين التمسك باللفظ . الثامنة ، ضربه بعد موته ، لم يبر ; لأن اليمين تنصرف إلى ضربه حيا ، يتألم بالضرب ، وقد زال هذا بالموت .

                                                                                                                                            التاسعة ، ضربه ضربا لا يؤلمه ، لم يبر ; لما ذكرناه . العاشرة ، خنقه ، أو نتف شعره ، أو عصر ساقه ، بحيث يؤلمه ، فإنه يبر ; لأنه يسمى ضربا ; لما تقدم ذكرنا له . [ ص: 40 ] الحادية عشرة ، جن العبد ، فضربه ، فإنه يبر ; لأنه حي يتألم بالضرب ، وإن لم يضربه ، حنث . وإن حلف لا يضربه في غد ، ففيه نحو من هذه المسائل . ومتى فات ضربه بموته أو غيره ، لم يحنث ; لأنه لم يضربه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية