الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 5 ] بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                      سورة الأنعام .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن الضريس وأبو الشيخ ، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : أنزلت سورة الأنعام بمكة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو عبيدة ، وابن الضريس في فضائلهما ، وابن المنذر والطبراني ، وابن مردويه ، عن ابن عباس قال : نزلت سورة " الأنعام " بمكة ليلا جملة ، وحولها سبعون ألف ملك يجأرون بالتسبيح .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن الضريس عن ابن عباس قال : أنزلت سورة "الأنعام" جميعا بمكة، معها موكب من الملائكة يشيعونها ، قد طبقوا ما بين السماء والأرض ، لهم زجل بالتسبيح حتى كادت الأرض أن ترتج من زجلهم بالتسبيح ارتجاجا ، فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم زجلهم بالتسبيح رهب من ذلك فخر ساجدا ، حتى أنزلت عليه . [ ص: 6 ] وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال : نزلت سورة الأنعام يشيعها سبعون ألفا من الملائكة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن أسماء قالت : نزلت سورة الأنعام على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مسير في زجل من الملائكة ، وقد نظموا ما بين السماء والأرض .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني ، وابن مردويه عن أسماء بنت يزيد قالت : نزلت سورة الأنعام على النبي صلى الله عليه وسلم جملة واحدة ، وأنا آخذة بزمام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم ، إن كادت من ثقلها لتكسر عظام الناقة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الخلعي في " الخلعيات " عن أسماء بنت يزيد قالت : نزلت "الأنعام" ومعها زجل من الملائكة ، قد ملئوا ما بين السماء والأرض ، وهي مكية ، ومنها آيتان مهاجرتان : قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم والتي بعدها [ الأنعام : 151 ، 152] .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني ، وابن مردويه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نزلت علي سورة الأنعام جملة واحدة ، يشيعها سبعون ألف ملك لهم زجل بالتسبيح والتحميد .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 7 ] وأخرج الطبراني، وأبو الشيخ ، وابن مردويه، والبيهقي في "شعب الإيمان" والسلفي في "الطيوريات" عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نزلت سورة الأنعام ومعها موكب من الملائكة يسد ما بين الخافقين، لهم زجل بالتسبيح والتقديس، والأرض ترتج، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : سبحان الله العظيم، سبحان الله العظيم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم وصححه ، والبيهقي في الشعب ، والإسماعيلي في معجمه ، عن جابر قال : لما نزلت سورة الأنعام سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال : لقد شيع هذه السورة من الملائكة ما سد الأفق .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي في الشعب وضعفه ، والخطيب في تاريخه عن علي بن أبي طالب قال : أنزل القرآن خمسا خمسا، ومن حفظ خمسا خمسا لم ينسه إلا سورة الأنعام، فإنها نزلت جملة في ألف، يشيعها من كل سماء سبعون ملكا ، حتى أدوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ما قرئت على عليل إلا شفاه الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنزلت علي سورة الأنعام جملة واحدة يشيعها سبعون ألف ملك لهم زجل [ ص: 8 ] بالتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج النحاس في ناسخه عن ابن عباس قال : سورة الأنعام نزلت بمكة جملة واحدة، فهي مكية إلا ثلاث آيات منها نزلت بالمدينة قل تعالوا أتل إلى تمام الآيات الثلاث [الأنعام : 151 - 153] .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الديلمي بسند ضعيف عن أنس مرفوعا : ينادي مناد : يا قارئ سورة الأنعام هلم إلى الجنة؛ بحبك إياها وتلاوتها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق والفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد قال : نزلت سورة الأنعام كلها جملة، معها خمسمائة ملك يزفونها ويحفونها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر عن أبي جحيفة قال : نزلت الأنعام جميعا، معها سبعون ألف ملك ، كلها مكية إلا ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة [الأنعام : 111] فإنها مدنية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد عن محمد بن المنكدر قال : لما نزلت سورة الأنعام سبح النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال : لقد شيع هذه السورة من الملائكة ما سد الأفق .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 9 ] وأخرج الفريابي وإسحاق بن راهويه في مسنده ، وعبد بن حميد عن شهر بن حوشب قال : نزلت الأنعام جملة واحدة، معها رجز من الملائكة قد نظموا ما بين السماء الدنيا إلى الأرض . قال : وهي مكية غير آيتين : قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم والآية التي بعدها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ عن عطاء قال : أنزلت الأنعام جميعا ومعها سبعون ألف ملك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ عن الكلبي قال : نزلت الأنعام كلها بمكة إلا آيتين نزلتا بالمدينة في رجل من اليهود وهو الذي قال : ما أنزل الله على بشر من شيء الآية [الأنعام : 91 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ عن سفيان قال : نزلت الأنعام كلها بمكة إلا آيتين نزلتا بالمدينة في رجل من اليهود وهو الذي قال : ما أنزل الله على بشر من شيء . وهو فنحاص اليهودي أو مالك بن الصيف .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو عبيد في فضائله والدارمي في مسنده، ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة، وأبو الشيخ، عن عمر بن الخطاب قال : الأنعام من نواجب القرآن .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج محمد بن نصر عن ابن مسعود قال : الأنعام من نواجب القرآن .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 10 ] وأخرج أبو الشيخ عن حبيب أبي محمد العابد قال : من قرأ ثلاث آيات من أول الأنعام إلى : ( تكسبون ) بعث الله له سبعين ألف ملك يدعون له إلى يوم القيامة، وله مثل أعمالهم، فإذا كان يوم القيامة أدخله الله الجنة، وسقاه من سلسبيل، وغسله من الكوثر، وقال : أنا ربك حقا وأنت عبدي حقا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن الضريس عن حبيب بن عيسى عن أبي محمد الفارسي قال : من قرأ ثلاث آيات من أول سورة الأنعام، بعث الله سبعين ألف ملك يستغفرون له إلى يوم القيامة، وله مثل أجورهم، فإذا كان يوم القيامة أدخله الله الجنة، وأظله في ظل عرشه، وأطعمه من ثمار الجنة، وشرب من الكوثر، واغتسل من السلسبيل، وقال الله : أنا ربك وأنت عبدي .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج السلفي بسند واه عن ابن عباس مرفوعا : من قرأ إذا صلى الغداة ثلاث آيات من أول سورة الأنعام إلى : ويعلم ما تكسبون نزل إليه أربعون ألف ملك، يكتب له مثل أعمالهم، وبعث إليه ملك من سبع سماوات ومعه مرزبة من حديد، فإن أوحى الشيطان في قلبه شيئا من الشر ضربه ضربة ، حتى يكون بينه وبينه سبعون حجابا، فإذا كان يوم القيامة قال الله تعالى : أنا ربك وأنت عبدي ، امش في ظلي واشرب من الكوثر، واغتسل من السلسبيل، وادخل الجنة بغير حساب ولا عذاب .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 11 ] وأخرج الديلمي عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من صلى الفجر في جماعة، وقعد في مصلاه، وقرأ ثلاث آيات من أول سورة الأنعام، وكل الله به سبعين ملكا، يسبحون الله ويستغفرون له إلى يوم القيامة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق عن حذيفة أنه مر بالنبي صلى الله عليه وسلم ليلة وهو يصلي في المسجد قال : فقمت أصلي وراءه، فاستفتح سورة البقرة ، فلما ختم قال : اللهم لك الحمد، اللهم لك الحمد، وترا ، ثم افتتح آل عمران، فختمها، فلم يركع وقال : اللهم لك الحمد ثلاث مرات، ثم افتتح سورة المائدة فختمها فركع، فسمعته يقول : سبحان ربي العظيم، ويرجع شفتيه، فأعلم أنه يقول غير ذلك ، ثم سجد فسمعته يقول : سبحان ربي الأعلى ، ويرجع شفتيه، فأعلم أنه يقول غير ذلك ، فلا أفهم غيره ، ثم افتتح سورة الأنعام ، فتركته وذهبت .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج [151و] ابن الضريس في فضائل القرآن ، وابن جرير ، وابن المنذر وأبو الشيخ عن كعب قال : فتحت التوراة بـ الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون وختمت بـ الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا إلى قوله وكبره تكبيرا [الإسراء : 111] .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد عن الربيع بن أنس : الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون [ ص: 12 ] قال : هي في التوراة بستمائة آية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ عن قتادة الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض : حمد نفسه فأعظم خلقه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن علي ، أنه أتاه رجل من الخوارج فقال : ( الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ) أليس كذلك ؟ قال : نعم ، فانصرف عنه، ثم قال : ارجع ، فرجع، فقال : أي قل؛ إنما أنزلت في أهل الكتاب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير وأبو الشيخ عن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه ، أنه أتاه رجل من الخوارج فقرأ عليه : الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور الآية ، ثم قال : أليس الذين كفروا بربهم يعدلون؟ قال : بلى ، فانصرف عنه الرجل فقال له رجل من القوم : يا ابن أبزى، إن هذا أراد تفسير الآية غير ما ترى، إنه رجل من الخوارج ، قال : ردوه علي ، فلما جاء قال : أتدري فيمن أنزلت هذه الآية؟ قال : لا ، قال : نزلت في أهل الكتاب، فلا تضعها في غير موضعها .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 13 ] وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال : نزلت هذه الآية في الزنادقة : الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور قال : قالوا : إن الله لم يخلق الظلمة ولا الخنافس ولا العقارب ولا شيئا قبيحا، وإنما خلق النور وكل شيء حسن، فأنزلت فيهم هذه الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد قال : نزل جبريل مع سبعين ألف ملك معهم سورة الأنعام، لهم زجل من التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد وقال : الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض فكان فيه رد على ثلاثة أديان منهم، فكان فيه رد على الدهرية ، أن الأشياء كلها دائمة، ثم قال : وجعل الظلمات والنور فكان فيه رد على المجوس الذين زعموا أن الظلمة والنور هما المدبران، وقال ثم الذين كفروا بربهم يعدلون فكان فيه رد على مشركي العرب ومن دعا دون الله إلها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن أبي روق قال : كل شيء في القرآن جعل فهو خلق .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 14 ] وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس وجعل الظلمات والنور قال : الكفر والإيمان .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور قال : خلق الله السماوات قبل الأرض، والظلمة قبل النور، والجنة قبل النار، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون قال : كذب العادلون بالله فهؤلاء أهل الشرك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن السدي في قوله وجعل الظلمات والنور قال : الظلمات ظلمة الليل ، والنور نور النهار، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون قال : هم المشركون .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ، عن مجاهد في قوله : ثم الذين كفروا بربهم يعدلون قال : يشركون .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن زيد في قوله : ثم الذين كفروا بربهم يعدلون قال : الآلهة التي عبدوها، عدلوها بالله تعالى، [ ص: 15 ] وليس لله عدل، ولا ند، وليس معه آلهة ولا اتخذ صاحبة ولا ولدا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية