الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8150 ) مسألة ; قال : ( وإذا حلف ألا يأكل لحما ، ولم يرد لحما بعينه ، فأكل من لحم الأنعام ، أو الطيور ، أو السمك ، حنث ) أما إذا أكل من لحم الأنعام أو الصيد أو الطائر ، فإنه يحنث ، في قول عامة علماء الأمصار .

                                                                                                                                            وأما السمك ، فظاهر المذهب أنه يحنث بأكله . وبهذا قال قتادة ، والثوري ، ومالك ، وأبو يوسف . وقال ابن أبي موسى ، في " الإرشاد " : لا يحنث به ، إلا أن ينويه . وهو قول أبي حنيفة ، والشافعي ، وأبي ثور ; لأنه لا ينصرف إليه إطلاق اسم اللحم ، ولو وكل وكيلا في شراء اللحم ، فاشترى له سمكا ، لم يلزمه ، ويصح أن ينفي عنه الاسم ، فيقول : ما أكلت لحما ، وإنما أكلت سمكا .

                                                                                                                                            فلم يتعلق به الحنث عند الإطلاق ، كما لو حلف : لا قعدت تحت سقف . فإنه لا يحنث بالقعود تحت السماء ، وقد سماها الله تعالى { سقفا محفوظا } لأنه مجاز ، كذا هاهنا . ولنا ، قول الله تعالى : { وهو الذي سخر لكم البحر لتأكلوا منه لحما طريا } . وقال : { ومن كل تأكلون لحما طريا } . ولأنه من جسم حيوان ، ويسمى لحما ، فحنث بأكله ، كلحم الطائر ، وما ذكروه يبطل بلحم الطائر .

                                                                                                                                            وأما السماء ، فإن الحالف ألا يقعد تحت سقف ، لا يمكنه التحرز من القعود تحتها ، فيعلم أنه لم يردها بيمينه ، ولأن التسمية ثم مجاز ، وها هنا هي حقيقة ; لكونه من جسم حيوان يصلح للأكل ، فكان الاسم فيه حقيقة ، كلحم الطائر ، حيث قال الله تعالى : { ولحم طير مما يشتهون } .

                                                                                                                                            ( 8151 ) فصل : ويحنث بأكل اللحم المحرم ، كلحم الميتة والخنزير والمغصوب . وبه قال أبو حنيفة . وقال الشافعي ، في أحد الوجهين : لا يحنث بأكل المحرم بأصله ; لأن يمينه تنصرف إلى ما يحل لا إلى ما يحرم ، فلم يحنث بما لا يحل ، كما لو حلف لا يبيع ، فباع بيعا فاسدا ، لم يحنث .

                                                                                                                                            [ ص: 57 ] ولنا ، أن هذا لحم حقيقة وعرفا ، فيحنث بأكله ، كالمغصوب ، وقد سماه الله - تعالى - لحما ، فقال : { ولحم الخنزير } . وما ذكروه يبطل بما إذا حلف لا يلبس ثوبا ، فلبس ثوب حرير . وأما البيع الفاسد ، فلا يحنث به ; لأنه ليس ببيع في الحقيقة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية