الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8153 ) مسألة ; قال : ( وإن حلف ألا يأكل سويقا ، فشربه ، أو لا يشربه ، فأكله ، حنث ، إلا أن تكون له نية ) وجملته أن من حلف لا يأكل شيئا ، فشربه ، أو لا يشربه ، فأكله ، فقد نقل عن أحمد ، ما يدل على روايتين ; إحداهما ، يحنث ; لأن اليمين على ترك أكل شيء أو شربه يقصد بها في العرف اجتناب ذلك الشيء ، فحملت اليمين عليه ، إلا أن ينوي ، ألا ترى أن قوله تعالى : { ولا تأكلوا أموالهم } و : { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما } لم يرد به الأكل على الخصوص ؟ ولو قال طبيب لمريض : لا تأكل العسل . لكان ناهيا له عن شربه .

                                                                                                                                            والثانية ، لا يحنث . وهذا مذهب الشافعي ، وأبي ثور ، وأصحاب الرأي ; لأن الأفعال أنواع كالأعيان ، ولو [ ص: 60 ] حلف على نوع من الأعيان ، لم يحنث بغيره ، وكذلك الأفعال . وقال القاضي : إنما الروايتان ، فيمن عين المحلوف عليه ، مثل من حلف : لا أكلت هذا السويق . فشربه ، أو لا يشربه ، فأكله ، أما إذا أطلق ، فقال : لا أكلت سويقا ، فشربه ، لم يحنث ، رواية واحدة ، لا يختلف المذهب فيه .

                                                                                                                                            وهذا مخالف لإطلاق الخرقي ، وليس للتعيين أثر في الحنث وعدمه ، فإن الحنث في المعين إنما هو لتناوله ما حلف عليه ، وإجراء معنى الأكل والشرب على التناول العام فيهما ، وهذا لا فرق فيه بين التعيين وعدمه ، وعدم الحنث يتعلل بأنه لم يفعل الفعل الذي حلف على تركه ، وإنما فعل غيره ، وهذا في المعين كهو في المطلق ، فإذا كان في المعين روايتان ، كانتا في المطلق ; لعدم الفارق بينهما ، ولأن الرواية في الحنث أخذت من كلام الخرقي ، وليس فيه تعيين ، ورواية عدم الحنث ، أخذت من رواية مهنا عن أحمد ، فيمن حلف لا يشرب هذا النبيذ ، فأكله ، لا يحنث ; لأنه لا يسمى شربا ، وهذا في المعين ، فإن عديت كل رواية إلى محل الأخرى ، وجب أن يكون في الجميع روايتان ، وإن قصرت كل رواية على محلها ، كان الأمر على خلاف ما قال القاضي ، وهو أن يحنث في المطلق ، ولا يحنث في المعين .

                                                                                                                                            فأما إن حلف ليأكلن شيئا فشربه . أو ليشربنه فأكله ، فيخرج فيه وجهان ; بناء على الروايتين في الحنث إذا حلف على الترك ، ومتى تقيدت يمينه بنية ، أو سبب يدل عليها ، كانت يمينه على ما نواه ، أو دل عليه السبب ; لأن مبنى الأيمان على النية .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية