الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8157 ) مسألة ; قال : ( ولو حلف أن يضربه عشرة أسواط ، فجمعها ، فضربه بها ضربة واحدة ، لم يبر في يمينه ) وبهذا قال مالك ، وأصحاب الرأي . وقال ابن حامد : يبر لأن أحمد قال ، في المريض عليه الحد : يضرب بعثكال النخل ، ويسقط عنه الحد .

                                                                                                                                            وبهذا قال الشافعي إذا علم أنها مسته كلها ، وإن علم أنها لم تمسه كلها ، لم يبر . وإن شك ، لا يحنث في الحكم ; لأن الله - تعالى قال : { وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث } . { وقال النبي صلى الله عليه وسلم في المريض الذي زنى : خذوا له عثكالا فيه مائة شمراخ ، فاضربوه بها ضربة واحدة } . ولأنه ضربه بعشرة أسواط ، فبر في يمينه ، كما لو فرق الضرب .

                                                                                                                                            ولنا ، أن معنى يمينه أن يضربه عشر ضربات ، ولم يضربه إلا ضربة واحدة ، فلم يبر ، كما لو حلف ليضربنه عشر مرات بسوط ، والدليل على هذا أنه لو ضربه عشر ضربات بسوط واحد ، يبر في يمينه ، بغير خلاف ، ولو عاد العدد إلى السوط ، لم يبر بالضرب بسوط واحد ، كما لو حلف ليضربنه بعشرة أسواط ، ولأن السوط هاهنا آلة أقيمت مقام المصدر ، وانتصب انتصابه ، فمعنى كلامه ، لأضربنه عشر ضربات بسوط . وهذا هو المفهوم من يمينه ، والذي يقتضيه لغة ، فلا يبر بما يخالف ذلك .

                                                                                                                                            وأما أيوب عليه السلام فإن الله - تعالى - أرخص له رفقا بامرأته ، لبرها به ، وإحسانها إليه ، ليجمع له بين بره في يمينه ورفقه بامرأته ، ولذلك امتن عليه بهذا ، وذكره في جملة ما من عليه به ، من معافاته إياه من بلائه ، وإخراج الماء له ، فيختص هذا به ، كاختصاصه بما ذكر معه ، ولو كان هذا الحكم عاما لكل واحد لما اختص أيوب بالمنة عليه .

                                                                                                                                            وكذلك المريض الذي يخاف تلفه ، أرخص له بذلك في الحد دون غيره ، وإذا لم يتعده هذا الحكم في الحد [ ص: 62 ] الذي ورد النص به فيه ، فلئلا يتعداه إلى اليمين أولى ، ولو خص بالبر من له عذر يبيح العدول في الحد إلى الضرب بالعثكال ، لكان له وجه . وأما تعديته إلى غيره فبعيدة جدا . ولو حلف أن يضربه بعشرة أسواط ، فجمعها ، فضربه بها ، بر ; لأنه قد فعل ما حلف عليه . وإن حلف ليضربنه عشر مرات ، لم يبر بضربه بعشرة أسواط ، دفعة واحدة ، بغير خلاف ; لأنه لم يفعل ما تناولته يمينه .

                                                                                                                                            وإن حلف ليضربنه عشر ضربات ، فكذلك ، إلا وجها لأصحاب الشافعي ، أنه يبر . وليس بصحيح ; لأن هذه ضربة واحدة بأسواط ، ولهذا يصح أن يقال : ما ضربته إلا ضربة واحدة . ولو حلف لا يضربه أكثر من ضربة واحدة . ففعل هذا ، لم يحنث في يمينه . ( 8158 ) فصل : ولا يبر حتى يضربه ضربا يؤلمه . وبهذا قال مالك .

                                                                                                                                            وقال الشافعي : يبر بما لا يؤلم ; لأنه يتناوله الاسم ، فوقع البر به . كالمؤلم ، ولنا ، أن هذا يقصد به في العرف التأليم ، فلا يبر بغيره . وكذلك كل موضع وجب الضرب في الشرع ، في حد ، أو تعزير ، كان من شرطه التأليم ، كذا هاهنا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية