الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              الآية الحادية والخمسون :

                                                                                                                                                                                                              قوله تعالى { ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا } . فيها ثماني مسائل : [ ص: 629 ]

                                                                                                                                                                                                              المسألة الأولى : روى أبو الأحوص قال : { أتيت النبي صلى الله عليه وسلم قشف الهيئة ، فصعد في النظر وصوبه فقال : هل لك من مال ؟ قلت : نعم . قال : من أي المال ؟ قلت : من كل المال آتاني الله فأكثر وأطيب ; الخيل والإبل والرقيق والغنم . قال : فإذا آتاك الله مالا فلير عليك . ثم قال : هل تنتج إبل قومك صحاحا آذانها فتعمد إلى الموسي فتشق آذانها ، فتقول : هذه بحر ; وتشق جلودها ، وتقول : هذه صرم لتحرمها عليك وعلى أهلك ؟ قال : قلت : أجل . قال : فكل ما أتاك الله حل وموسى الله أحد ، وساعده أشد الحديث } .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الثانية : لما كان من إبليس ما كان من الامتناع من السجود والاعتراض على الآمر به بالتسفيه أنفذ الله فيه حكمه وأحق عليه لعنته ، فسأله النظرة ، فأعطاه إياها زيادة في لعنته ، فقال لربه : { لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله } وكان ما أراد ، وفعلت العرب ما وعد به الشيطان ، كما تقدم في الحديث ، وذلك تعذيب للحيوان وتحريم ، وتحليل بالطغيان ، وقول بغير حجة ولا برهان ، والآذان في الأنعام جمال ومنفعة ، فلذلك رأى الشيطان أن يغير بها خلق الله تعالى ، ويركب على ذلك التغيير الكفر به ، لا جرم { أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر في الأضحية أن تستشرف العين والآذان في الأنعام } ، معناه أن تلحظ الأذن ; لئلا تكون مقطوعة أو مشقوقة ; فتجتنب من جهة أن فيها أثر الشيطان . وفي الحديث : { نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن شريطة الشيطان } ، وهي هذه ، وشبهها [ ص: 630 ] مما وفى فيها للشيطان بشرطه حين قال : { فليبتكن آذان الأنعام وليغيرن خلق الله } .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الثالثة : ثبت { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسم الغنم في آذانها } ، وكأن هذا مستثنى من تغيير خلق الله .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الرابعة : { كان النبي صلى الله عليه وسلم يقلد الهدي ويشعره أي يشق جلده ، ويقلده نعلين ، ويساق إلى مكة نسكا } ; وهذا مستثنى من تغيير خلق الله . وقال أبو حنيفة : هو بدعة ; كأنه لم يسمع بهذه الشعيرة في الشريعة ، لهي [ فيها ] أشهر منه في العلماء . المسألة الخامسة : وسم الإبل والدواب بالنار في أعناقها وأفخاذها مستثنى من التغيير لخلق الله تعالى كاستثناء ما سلف .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية