الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          كرا

                                                          كرا : الكروة والكراء : أجر المستأجر ، كاراه مكاراة وكراء واكتراه وأكراني دابته وداره ، والاسم الكرو بغير هاء ; عن اللحياني وكذلك الكروة والكروة ، والكراء ممدود ؛ لأنه مصدر كاريت ، والدليل على ذلك أنك تقول رجل مكار ، ومفاعل إنما هو من فاعلت ، وهو من ذوات الواو لأنك تقول أعطيت الكري كروته ، بالكسر ، وقول جرير :

                                                          [ ص: 59 ] لحقت وأصحابي على كل حرة مروح ، تباري الأحمسي المكاريا

                                                          ويروى : الأحمشي ، أراد ظل الناقة شبهه بالمكاري ; قال ابن بري : كذا فسر الأحمشي في الشعر بأنه ظل الناقة . والمكاري : الذي يكرو بيده في مشيه ، ويروى الأحمسي منسوب إلى أحمس رجل من بجيلة . والمكاري على هذا الحادي ، قال : والمكاري مخفف ، والجمع المكارون ، سقطت الياء لاجتماع الساكنين ، تقول هؤلاء المكارون وذهبت إلى المكارين ، ولا تقل المكاريين بالتشديد ، وإذا أضفت المكاري إلى نفسك قلت هذا مكاري ، بياء مفتوحة مشددة ، وكذلك الجمع تقول هؤلاء مكاري ، سقطت نون الجمع للإضافة وقلبت الواو ياء وفتحت ياءك وأدغمت لأن قبلها ساكنا ، وهذان مكارياي ، تفتح ياءك ، وكذلك القول في قاضي ورامي ونحوهما . والمكاري والكري : الذي يكريك دابته ، والجمع أكرياء ، لا يكسر على غير ذلك . وأكريت الدار فهي مكراة والبيت مكرى ، واكتريت واستكريت وتكاريت بمعنى . والكري ، على فعيل : المكاري ; وقال عذافر الكندي :


                                                              ولا أعود بعدها كريا
                                                          أمارس الكهلة والصبيا



                                                          ويقال : أكرى الكري ظهره . والكري أيضا : المكتري . وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - : أن امرأة محرمة سألته فقالت أشرت إلى أرنب فرماها الكري ; الكري ، بوزن الصبي : الذي يكري دابته ، فعيل بمعنى مفعل . يقال : أكرى دابته فهو مكر وكري ، وقد يقع على المكتري فعيل بمعنى مفعل ، والمراد الأول . وفي حديث أبي السليل : الناس يزعمون أن الكري لا حج له . والكري : الذي أكريته بعيرك ، ويكون الكري الذي يكريك بعيره فأنا كريك وأنت كريي ; قال الراجز :


                                                          كريه ما يطعم الكريا     بالليل إلا جرجرا مقليا

                                                          ابن السكيت : أكرى الكري ظهره يكريه إكراء . ويقال : أعط الكري كروته ; حكاها أبو زيد . ابن السكيت : هو الكراء ممدود لأنه مصدر كاريت ، والدليل على ذلك أنك تقول رجل مكار ، مفاعل وهو من ذوات الواو . ويقال اكتريت منه دابة واستكريتها فأكرانيها إكراء ، ويقال للأجرة نفسها كراء أيضا . وكرا الأرض كروا : حفرها وهو من ذوات الواو والياء . وفي حديث فاطمة - رضي الله عنها - : أنها خرجت تعزي قوما ، فلما انصرفت قال لها : لعلك بلغت معهم الكرى ؟ قالت : معاذ الله ! هكذا جاء في رواية بالراء ، وهي القبور جمع كرية أو كروة ، من كريت الأرض وكروتها إذا حفرتها كالحفرة ; ومنه الحديث : أن الأنصار سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نهر يكرونه لهم سيحا أي يحفرونه ويخرجون طينه . وكرا البئر كروا : طواها بالشجر . وكروت البئر كروا : طويتها . أبو زيد : كروت الركية كروا إذا طويتها بالشجر وعرشتها بالخشب وطويتها بالحجارة ، وقيل : المكروة من الآبار المطوية بالعرفج والثمام والسبط . وكرا الغلام يكرو كروا إذا لعب بالكرة . وكروت بالكرة أكرو بها إذا ضربت بها ولعبت بها . ابن سيده : والكرة معروفة . وهي ما أدرت من شيء . وكرا الكرة كروا : لعب بها ; قال المسيب بن علس :


                                                          مرحت يداها للنجاء ، كأنما     تكرو بكفي لاعب في صاع



                                                          والصاع : المطمئن من الأرض كالحفرة . ابن الأعرابي : كرى النهر يكريه إذا نقص تقنه ، وقيل : كريت النهر كريا إذا حفرته . والكرة : التي يلعب بها ، أصلها كروة فحذفت الواو ، كما قالوا قلة للتي يلعب بها ، والأصل قلوة ، وجمع الكرة كرات وكرون . الجوهري : الكرة التي تضرب بالصولجان وأصلها كرو ، والهاء عوض ، وتجمع على كرين وكرين أيضا ، بالكسر ، وكرات ; وقالت ليلى الأخيلية تصف قطاة تدلت على فراخها :


                                                          تدلت على حص ظماء كأنها     كرات غلام في كساء مؤرنب



                                                          ويروى : حص الرءوس كأنها ; قال : وشاهد كرين قول الآخر :


                                                          يدهدين الرءوس كما يدهدي     حزاورة ، بأيديها ، الكرينا



                                                          ويجمع أيضا على أكر ، وأصله وكر مقلوب اللام إلى موضع الفاء ، ثم أبدلت الواو همزة لانضمامها . وكروت الأمر وكريته : أعدته مرة بعد أخرى . وكرت الدابة كروا : أسرعت . والكرو : أن يخبط بيده في استقامة لا يفتلها نحو بطنه ، وهو من عيوب الخيل يكون خلقة ، وقد كرى الفرس كروا وكرت المرأة في مشيتها تكرو كروا . والكرا : الفحج في الساقين والفخذين ، وقيل : هو دقة الساقين والذراعين ، امرأة كرواء وقد كريت كرا ، وقيل : الكرواء المرأة الدقيقة الساقين . أبو بكر : الكرا دقة الساقين ، مقصور يكتب بالألف ، يقال : رجل أكرى وامرأة كرواء ، وقال :


                                                          ليست بكرواء ، ولكن خدلم     ولا بزلاء ، ولكن ستهم



                                                          قال ابن بري : صوابه أن ترفع قافيته ; وبعدهما :

                                                          ولا بكحلاء ، ولكن زرقم

                                                          والكروان ، بالتحريك : طائر ، ويدعى الحجل والقبج ، وجمعه كروان ، صحت الواو فيه لئلا يصير من مثال فعلان في حال اعتلال اللام إلى مثال فعال ، والجمع كراوين ، كما قالوا وراشين ; وأنشد بعض البغداديين في صفة صقر لدلم العبشمي وكنيته أبو زغب :


                                                          عن له أعرف ضافي العثنون     داهية صل صفا درخمين
                                                          حتف الحباريات والكراوين



                                                          والأنثى كروانة ، والذكر منها الكرا ، بالألف ; قال مدرك بن حصن الأسدي :


                                                          يا كروانا صك فاكبأنا     فشن بالسلح ، فلما شنا
                                                          بل الذنابى عبسا مبنا



                                                          قالوا : أراد به الحبارى يصكه البازي فيتقيه بسلحه ، ويقال له الكركي ، ويقال له إذا صيد : أطرق كرا أطرق كرا إن النعام في القرى ، والجمع كروان ، بكسر الكاف ، على غير قياس ، كما إذا [ ص: 60 ] جمعت الورشان قلت ورشان ، وهو جمع بحذف الزوائد كأنهم جمعوا كرا مثل أخ وإخوان . والكرا : لغة في الكروان ; أنشد الأصمعي للفرزدق :


                                                          على حين أن ركيت وابيض مسحلي     وأطرق إطراق الكرا من أحاربه



                                                          ابن سيده : وفي المثل أطرق كرا إن النعام في القرى ; غيره : يضرب مثلا للرجل يخدع بكلام يلطف له ويراد به الغائلة ، وقيل : يضرب مثلا للرجل يتكلم عنده بكلام فيظن أنه هو المراد بالكلام ، أي اسكت فإني أريد من هو أنبل منك وأرفع منزلة ; وقال أحمد بن عبيد : يضرب للرجل الحقير إذا تكلم في الموضع الذي له لا يشبهه وأمثاله الكلام فيه ، فيقال له اسكت يا حقير فإن الأجلاء أولى بهذا الكلام منك . والكرا : والكروان طائر صغير ، فخوطب الكروان والمعنى لغيره ، ويشبه الكروان بالذليل ، والنعام بالأعزة ، ومعنى أطرق أي غض ما دام عزيز ، فإياك أن تنطق أيها الذليل ، وقيل معنى أطرق كرا أن الكروان ذليل في الطير ، والنعام عزيز ; يقال : اسكن عند الأعزة ولا تستشرف للذي لست له بند ، وقد جعله محمد بن يزيد ترخيم كروان فغلط ; قال ابن سيده : ولم يعرف سيبويه في جمع الكروان إلا كروانا فوجهه على أنهم جمعوا كرا ، قال : وقالوا : كروان وللجمع كروان ، بكسر الكاف ، فإنما يكسر على كرا كما قالوا إخوان . قال ابن جني : قولهم كروان وكروان لما كان الجمع مضارعا للفعل بالفرعية فيهما جاءت فيه أيضا ألفاظ على حذف الزيادة التي كانت في الواحد ، فقالوا : كروان وكروان ، فجاء هذا على حذف زائدتيه حتى صار إلى فعل ، فجرى مجرى خرب وخربان وبرق وبرقان ، فجاء هذا على حذف الزيادة كما قالوا عمرك الله . قال أبو الهيثم : سمي الكروان كروانا بضده ؛ لأنه لا ينام بالليل ، وقيل : الكروان طائر يشبه البط . وقال ابن هانئ في قولهم أطرق كرا ، قال : رخم الكروان ، وهو نكرة ، كما قال بعضهم يا قنف ، يريد يا قنفذ ، قال : وإنما يرخم في الدعاء المعارف نحو مالك وعامر ، ولا ترخم النكرة نحو غلام ، فرخم كروان وهو نكرة ، وجعل الواو ألفا فجاء نادرا . وقال الرسمي : الكرا هو الكروان حرف مقصور وقال غيره : الكرا ترخيم الكروان ، قال : والصواب الأول لأن الترخيم لا يستعمل إلا في النداء ، والألف التي في الكرا هي الواو التي في الكروان جعلت ألفا عند سقوط الألف والنون ، ويكتب الكرا بالألف بهذا المعنى ، وقيل : الكروان طائر طويل الرجلين أغبر دون الدجاجة في الخلق ، وله صوت حسن يكون بمصر مع الطيور الداجنة في البيوت ، وهي من طيور الريف والقرى ، لا يكون في البادية . والكرى : النوم . والكرى : النعاس يكتب بالياء ، والجمع أكراء ، قال :


                                                          هاتكته حتى انجلت أكراؤه



                                                          كري الرجل بالكسر يكرى كرى إذا نام ، فهو كر وكري وكريان . وفي الحديث : أنه أدركه الكرى أي النوم ، ورجل كر وكري ; وقال :


                                                          متى تبت ببطن واد أو تقل     تترك به مثل الكري المنجدل



                                                          أي متى تبت هذه الإبل في مكان أو تقل به نهارا تترك به زقا مملوءا لبنا ، يصف إبلا بكثرة الحلب أي تحلب وطبا من لبن كأن ذلك الوطب رجل نائم . وامرأة كرية على فعلة ; وقال :


                                                          لا تستمل ولا يكرى مجالسها     ولا يمل من النجوى مناجيها



                                                          وأصبح فلان كريان الغداة أي ناعسا . ابن الأعرابي : أكرى الرجل سهر في طاعة الله عز وجل . وكرى النهر كريا : استحدث حفره . وكرى الرجل كريا : عدا عدوا شديدا ، قال ابن دريد : وليس باللغة العالية . وقد أكريت أي أخرت ، وأكرى الشيء والرحل والعشاء : أخره ، والاسم الكراء ; قال الحطيئة :


                                                          وأكريت العشاء إلى سهيل     أو الشعرى فطال بي الأناء

                                                          قيل : هو يطلع سحرا وما أكل بعده فليس بعشاء ، يقول : انتظرت معروفك حتى أيست . وقال فقيه العرب : من سره النساء ولا نساء ، فليبكر العشاء ، وليباكر الغداء ، وليخفف الرداء ، وليقل غشيان النساء . وأكرينا الحديث الليلة أي أطلناه . وفي حديث ابن مسعود : كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة فأكرينا في الحديث أي أطلناه وأخرناه . وأكرى من الأضداد ، يقال : أكرى الشيء يكري إذا طال وقصر وزاد ونقص ; قال ابن أحمر :


                                                          وتواهقت أخفافها طبقا     والظل لم يفضل ولم يكري



                                                          أي ولم ينقص ، وذلك عند انتصاف النهار . وأكرى الرجل : قل ماله أو نفد زاده . وقد أكرى زاده أي نقص ; وأنشد ابن الأعرابي للبيد :


                                                          كذي زاد متى ما يكر منه     فليس وراءه ثقة بزاد



                                                          وقال آخر يصف قدرا :


                                                          يقسم ما فيها ، فإن هي قسمت     فذاك وإن أكرت فعن أهلها تكري



                                                          قسمت : عمت في القسم أراد وإن نقصت فعن أهلها تنقص يعني القدر . أبو عبيد : المكري السير اللين البطيء ، والمكري من الإبل التي تعدو ، وقيل : هو السير البطيء ; قال القطامي :


                                                          وكل ذلك منها كلما رفعت     منها المكري ومنها اللين السادي



                                                          أي رفعت في سيرها ; قال ابن بري وقال الراجز :


                                                          لما رأت شيخا له دودرى     ظلت على فراشها تكرى



                                                          دودرى : طويل الخصيتين . وقال الأصمعي : هذه دابة تكري تكرية إذا كان كأنه يتلقف بيده إذا مشى . وكرت الناقة برجليها : قلبتهما في العدو ، وكذلك كرى الرجل بقدميه ، وهذه الكلمات يائية ؛ لأن ياءها لام وانقلاب الألف ياء عن اللام أكثر من انقلابها عن الواو . والكري : نبت . والكرية على فعيلة : شجرة تنبت في الرمل في الخصب بنجد ظاهرة ، تنبت على نبتة الجعدة . وقال أبو حنيفة : الكري ، بغير هاء ، عشبة من المرعى ، قال : لم أجد من يصفها ، قال : وقد ذكرها العجاج في وصف ثور وحش فقال :


                                                          حتى عدا ، واقتاده الكري     وشرشر وقسور نضري



                                                          [ ص: 61 ] وهذه نبوت غضة ، وقوله : اقتاده أي دعاه ، كما قال ذو الرمة :

                                                          يدعو أنفه الربب

                                                          والكرويا : من البزر ، وزنها فعولل ، ألفها منقلبة عن ياء ، ولا تكون فعولى ولا فعليا لأنهما بناءان لم يثبتا في الكلام ، إلا أنه قد يجوز أن تكون فعول في قول من ثبت عنده قهوباة . وحكى أبو حنيفة : كروياء ، بالمد ، وقال مرة : لا أدري أيمد الكرويا أم لا فإن مد فهي أنثى ، قال : وليست الكروياء بعربية ; قال ابن بري : الكرويا من هذا الفصل ; قال : وذكره الجوهري في فصل قردم مقصورا على وزن زكريا ، قال : ورأيتها أيضا الكروياء ، بسكون الراء وتخفيف الياء ممدودة ، قال : ورأيتها في النسخة المقروءة على ابن الجواليقي الكروياء ، بسكون الواو وتخفيف الياء ممدودة ، قال : وكذا رأيتها ، في كتاب ليس لابن خالويه ، كرويا ، كما رأيتها في التكملة لابن الجواليقي ، وكان يجب على هذا أن تنقلب الواو ياء لاجتماع الواو والياء وكون الأول منهما ساكنا إلا أن يكون مما شذ نحو ضيون وحيوة وحيوان وعوية ، فتكون هذه لفظة خامسة . وكراء : ثنية بالطائف ، ممدودة . قال الجوهري : وكراء موضع ، وقال :


                                                          منعناكم كراء وجانبيه     كما منع العرين وحى اللهام



                                                          وأنشد ابن بري :


                                                          كأغلب من أسود كراء     ورد يرد خشاية الرجل الظلوم



                                                          قال ابن بري : والكرا ثنية بالطائف مقصورة .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية