الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 69 ] القسم الرابع ، نذر المعصية ، فلا يحل الوفاء به إجماعا ; ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من نذر أن يعصي الله فلا يعصه . } ولأن معصية الله تعالى لا تحل في حال ، ويجب على الناذر كفارة يمين . روي نحو هذا عن ابن مسعود ، وابن عباس ، وجابر ، وعمران بن حصين ، وسمرة بن جندب .

                                                                                                                                            وبه قال الثوري ، وأبو حنيفة ، وأصحابه . وروي عن أحمد ما يدل على أنه لا كفارة عليه ، فإنه قال ، فيمن نذر ليهدمن دار غيره لبنة لبنة : لا كفارة عليه . وهذا في معناه . وروي هذا عن مسروق ، والشعبي . وهو مذهب مالك ، والشافعي ; لقول رسول الله : صلى الله عليه وسلم { لا نذر في معصية الله ، ولا فيما لا يملك العبد . } رواه مسلم .

                                                                                                                                            وقال { ليس على الرجل نذر فيما لا يملك . } متفق عليه . وقال : { لا نذر إلا ما ابتغي به وجه الله } . رواه أبو داود . وقال : { من نذر أن يعصي الله فلا يعصه } . ولم يأمر بكفارة . { ولما نذرت المرأة التي كانت مع الكفار ، فنجت على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنحرها ، قالت : يا رسول الله ، إني نذرت إن أنجاني الله عليها أن أنحرها ؟ قال : بئس ما جزيتها ، لا نذر في معصية الله ، ولا فيما لا يملك العبد } رواه مسلم .

                                                                                                                                            ولم يأمرها بكفارة { . وقال لأبي إسرائيل حين نذر أن يقوم في الشمس ، ولا يقعد ، ولا يستظل ، ولا يتكلم : مروه فليتكلم ، وليجلس ، وليستظل ، وليتم صومه . } . رواه البخاري . ولم يأمره بكفارة .

                                                                                                                                            لأن النذر التزام الطاعة ، وهذا التزام معصية ، ولأنه نذر غير منعقد ، فلم يوجب شيئا ، كاليمين غير المنعقدة . ووجه الأول ، ما روت عائشة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا نذر في معصية ، وكفارته كفارة يمين . } رواه الإمام أحمد ، في " مسنده " ، وأبو داود ، في " سننه " . وقال الترمذي : هو حديث غريب . وعن أبي هريرة ، وعمران بن حصين ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله .

                                                                                                                                            روى الجوزجاني ، بإسناده عن عمران بن حصين ، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { : النذر نذران ; فما كان من نذر في طاعة الله ، فذلك لله ، وفيه الوفاء ، وما كان من نذر في معصية الله ، فلا وفاء فيه ، ويكفره ما يكفر اليمين . } وهذا نص . ولأن النذر يمين ، بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { النذر حلفة } { . وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأخت عقبة ، لما نذرت المشي إلى بيت الله الحرام ، فلم تطقه : تكفر يمينها . } صحيح أخرجه أبو داود . وفي رواية : " ولتصم ثلاثة أيام " . قال أحمد : إليه أذهب . وقال ابن عباس في التي نذرت ذبح ابنها : كفري يمينك .

                                                                                                                                            ولو حلف على فعل معصية ، لزمته الكفارة ، فكذلك إذا نذرها . فأما أحاديثهم ، فمعناها لا وفاء بالنذر في معصية الله . وهذا لا خلاف فيه ، وقد جاء مصرحا به هكذا في رواية مسلم . ويدل على هذا أيضا أن في سياق الحديث { : ولا يمين في قطيعة رحم } . يعني لا يبر فيها .

                                                                                                                                            ولو لم يبين الكفارة في أحاديثهم ، فقد بينها في أحاديثنا فإن فعل ما نذره من المعصية ، فلا كفارة عليه . كما لو حلف ليفعلن معصية ، ففعلها . ويحتمل أن تلزمه الكفارة حتما ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم عين فيه الكفارة ، ونهى عن فعل المعصية .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية