الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
تلاعب سدنة الأضرحة والشياطين في عقول القبوريين

وبيان سبب تمسكهم في اعتقادهم بالأموات

وينضم إلى ذلك ما يظهره الشيطان للناس، من قضاء حوائج من قصد بعض الأموات الذين لهم شهرة، وللعامة فيهم اعتقاد.

وربما يقف جماعة من المحتالين على قبر، ويجلبون الناس بأكاذيب يحكونها عن ذلك الميت; ليستجلبوا منهم النذور، ويستدروا منهم الأرزاق، ويقتنصوا النحائر، ويستخرجوا من عوام الناس ما يعود عليهم، وعلى من يعولونه، ويجعلوا ذلك مكسبا ومعاشا.

وربما يهولون على الزائر لذلك الميت بتهويلات، ويجملون قبره بما يعظم في عين الواصلين إليه، ويوقدون في مشهده الشموع، ويوقدون فيه الأطياب، ويجعلون لزيارته مواسم مخصوصة، يجتمع فيه الجمع الجم، فينبهر الزائر، [ ص: 75 ] ويرى ما يملأ عينيه وسمعه من ضجيج الخلق وازدحامهم، وتكالبهم على القرب من الميت، والتمسح بأحجار قبره وأعواده، والاستغاثة به، والالتجاء إليه، وسؤاله قضاء الحاجات، ونجاح الطلبات، مع خضوعهم واستكانتهم، وتقريبهم له نفائس الأموال، ونحرهم أصناف النحائر.

فمجموع هذه الأمور مع تطاول الأزمنة، وانقراض القرن بعد القرن، يظن الإنسان في مبادئ عمره، وأوائل أيامه، أن ذلك من أعظم القربات وأفضل الطاعات.

ثم لا ينفعه ما تعلمه من العلم بعد ذلك، بل يذهل عن كل حجة شرعية تدل على أن هذا هو الشرك بعينه.

وإذا سمع من يقول ذلك أنكره، ونبا عنه سمعه، وضاق به ذرعه; لأنه يبعد كل البعد أن ينقل ذهنه دفعة واحدة، في وقت واحد، عن شيء يعتقده من أعظم الطاعات إلى كونه من أقبح المقبحات، وأكبر المحرمات، مع كونه قد درج عليه الأسلاف، ودب فيه الأخلاف، وتعاودته العصور، وتناوبته الدهور، وهكذا كل شيء يقلد الناس فيه أسلافهم; ويحكمون العادات المستمرة.

وبهذه الذريعة الشيطانية، والوسيلة الطاغوتية، بقي المشرك والجاهلية على شركه، واليهودي على يهوديته، والنصراني على نصرانيته، والمبتدع على بدعته.

وصار المعروف منكرا، والمنكر معروفا، وتبدلت الأمة بكثير المسائل الشرعية غيرها، وألفوا ذلك، وتمرنت عليه نفوسهم، وقبلته قلوبهم، وأنسوا إليه، حتى لو أراد من يتصدى للإرشاد أن يحملهم على المسائل الشرعية البيضاء النقية، التي تبدلوا بها غيرها، لنفروا عن ذلك، ولم تقبله طباعهم، ونالوا ذلك المرشد بكل مكروه، ومزقوا عرضه بكل لسان، وهذا كثير موجود في كل فرقة من الفرق، لا ينكره إلا من هو منهم في غفلة.

التالي السابق


الخدمات العلمية