الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          كسف

                                                          كسف : كسف القمر يكسف كسوفا ، وكذلك الشمس كسفت تكسف كسوفا : ذهب ضوءها واسودت ، وبعض يقول انكسف وهو خطأ ، وكسفها الله وأكسفها ، والأول أعلى ، والقمر في كل ذلك كالشمس . وكسف القمر : ذهب نوره وتغير إلى السواد . وفي الحديث عن جابر - رضي الله عنه - قال : انكسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث طويل ، وكذلك رواه أبو عبيد : انكسفت . وكسف الرجل إذا نكس طرفه . وكسفت حاله : ساءت ، وكسفت إذا تغيرت . وكسفت الشمس وخسفت بمعنى واحد ، وقد تكرر في الحديث ذكر الكسوف والخسوف للشمس والقمر فرواه جماعة فيهما بالكاف ، ورواه جماعة فيهما بالخاء ، ورواه جماعة في الشمس بالكاف وفي القمر بالخاء ، وكلهم رووا أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ، والكثير في اللغة وهو اختيار الفراء أن يكون الكسوف للشمس والخسوف للقمر ؛ يقال : كسفت الشمس وكسفها الله وانكسفت ، وخسف القمر وخسفه الله وانخسف ، وورد في طريق آخر : إن الشمس والقمر لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته ، قال ابن الأثير : خسف القمر بوزن فعل إذا كان الفعل له ، وخسف على ما لم يسم فاعله ، قال : وقد ورد الخسوف في الحديث كثيرا للشمس والمعروف لها في اللغة الكسوف لا الخسوف ، قال : فأما إطلاقه في مثل هذا فتغليبا للقمر لتذكيره على تأنيث الشمس يجمع بينهما فيما يخص القمر ، وللمعارضة أيضا لما جاء في الرواية الأولى لا ينكسفان ، قال : وأما إطلاق الخسوف على الشمس منفردة فلاشتراك الخسوف والكسوف في معنى ذهاب نورهما وإظلامهما . والانخساف : مطاوع خسفته [ ص: 68 ] فانخسف ، وقد تقدم عامة ذلك في خسف . أبو زيد : كسفت الشمس إذا اسودت بالنهار ، وكسفت الشمس النجوم إذا غلب ضوءها على النجوم فلم يبد منها شيء ، فالشمس حينئذ كاسفة النجوم ، يتعدى ولا يتعدى ؛ قال جرير :


                                                          فالشمس طالعة ليست بكاسفة تبكي عليك ، نجوم الليل والقمرا



                                                          قال : ومعناه أنها طالعة تبكي عليك ولم تكسف ضوء النجوم ولا القمر ؛ لأنها في طلوعها خاشعة باكية لا نور لها ، قال : وكذلك كسف القمر إلا أن الأجود فيه أن يقال خسف القمر ، والعامة تقول انكسفت الشمس ؛ قال : وتقول خشعت الشمس وكسفت وخسفت بمعنى واحد ؛ وروى الليث البيت :


                                                          الشمس كاسفة ليست بطالعة     تبكي عليك نجوم الليل والقمرا



                                                          فقال : أراد ما طلع نجم وما طلع قمر ، ثم صرفه فنصبه ، وهذا كما تقول : لا آتيك مطر السماء أي ما مطرت السماء ، وطلوع الشمس أي ما طلعت الشمس ، ثم صرفته فنصبته . وقال شمر : سمعت ابن الأعرابي يقول

                                                          تبكي عليك نجوم الليل والقمرا

                                                          أي ما دامت النجوم والقمر ، وحكي عن الكسائي مثله ، قال : وقلت للفراء : إنهم يقولون فيه إنه على معنى المغالبة باكيته فبكيته فالشمس تغلب النجوم بكاء ، فقال : إن هذا الوجه حسن ، فقلت : ما هذا بحسن ولا قريب منه . وكسف باله يكسف إذا حدثته نفسه بالشر ، وأكسفه الحزن ، قال أبو ذؤيب :


                                                          يرمي الغيوب بعينيه ومطرفه     مغض ، كما كسف المستأخذ الرمد



                                                          وقيل : كسوف باله أن يضيق عليه أمله . ورجل كاسف البال أي سيء الحال . ورجل كاسف الوجه : عابسه من سوء الحال ؛ يقال : عبس في وجهي وكسف كسوفا . والكسوف في الوجه : الصفرة والتغير . ورجل كاسف : مهموم قد تغير لونه وهزل من الحزن . وفي المثل : أكسفا وإمساكا ؟ أي أعبوسا مع بخل . والتكسيف : التقطيع . وكسف الشيء يكسفه كسفا وكسفه ، كلاهما : قطعه ، وخص بعضهم به الثوب والأديم . والكسف والكسفة والكسيفة : القطعة مما قطعت . وفي الحديث : أنه جاء بثريدة كسف أي خبز مكسر ، وهي جمع كسفة للقطعة من الشيء . وفي حديث أبي الدرداء - رضي الله عنه : قال بعضهم رأيته وعليه كساف أي قطعة ثوب ؛ قال ابن الأثير : وكأنها جمع كسفة أو كسف . وكسف السحاب وكسفه : قطعه ، وقيل : إذا كانت عريضة فهي كسف . وفي التنزيل : وإن يروا كسفا من السماء الفراء في قوله تعالى : أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا ، قال : الكسف والكسف وجهان ، والكسف : الجماع ، قال : وسمعت أعرابيا يقول : أعطني كسفة من ثوبك يريد قطعة ، كقولك خرقة ، وكسف فعل ، وقد يكون الكسف جماعا للكسفة مثل عشبة وعشب ؛ وقال الزجاج : قرئ كسفا وكسفا ، فمن قرأ كسفا جعلها جمع كسفة وهي القطعة ، ومن قرأ كسفا جعله واحدا ، قال : أو تسقطها طبقا علينا ، واشتقاقه من كسفت الشيء إذا غطيته . وسئل أبو الهيثم عن قولهم كسفت الثوب أي قطعته ، فقال : كل شيء قطعته فقد كسفته . أبو عمرو : يقال لخرق القميص قبل أن تؤلف الكسف والكيف والحذف ، واحدتها كسفة وكيفة وحذفة . ابن السكيت : يقال : كسف أمله فهو كاسف إذا انقطع رجاؤه مما كان يأمل ولم ينبسط ، وكسف باله يكسف حدثته نفسه بالشر . والكسف : قطع العرقوب ، وهو مصدر كسفت البعير إذا قطعت عرقوبه . وكسف عرقوبه يكسفه كسفا : قطع عصبته دون سائر الرجل . ويقال : استدبر فرسه فكسف عرقوبيه . وفي الحديث : أن صفوان كسف عرقوب راحلته أي قطعه بالسيف .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية