الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8203 ) مسألة ; قال : ( ومن نذر أن يصوم شهرا متتابعا ، ولم يسمه ، فمرض في بعضه ، فإذا عوفي ، بنى ، وكفر كفارة يمين ، وإن أحب أتى بشهر متتابع ، ولا كفارة عليه ، وكذلك المرأة إذا نذرت صيام شهر متتابع ، وحاضت فيه ) وجملته أن من نذر صياما متتابعا غير معين ، ثم أفطر فيه ، لم يخل من حالين .

                                                                                                                                            أحدهما ، أن يفطر لعذر ; من حيض ، أو مرض ، ونحوهما ، فهذا مخير بين أن يبتدئ الصوم ، ولا شيء عليه ; لأنه أتى بالمنذور على وجهه ، وبين أن يبني على صيامه ويكفر ; لأن الكفارة تلزم لتركه المنذور وإن كان عاجزا ، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أخت عقبة بن عامر بالكفارة ، لعجزها عن المشي ; ولأن النذر كاليمين ، ولو حلف ليصومن متتابعا ، ثم لم يأت به متتابعا ، لزمته الكفارة ، وإنما جوز له البناء هاهنا ; لأن الفطر لعذر لا يقطع التتابع حكما ، بدليل أنه لو أفطر في صيام الشهرين المتتابعين من عذر ، كان له البناء ، فإن كان العذر يبيح الفطر كالسفر ، فهل يقطع التتابع ؟ ففيه وجهان ; أحدهما ، يقطعه ; لأنه يفطر باختياره .

                                                                                                                                            والثاني ، لا يقطعه ; لأنه عذر في فطر رمضان ، فأشبه المرض . والثاني ، أن يفطر لغير عذر ، فهذا يلزمه استئناف الصيام ، ولا كفارة عليه ; لأنه ترك التتابع المنذور لغير عذر ، مع إمكان الإتيان به .

                                                                                                                                            فلزمه فعله ، كما لو نذر صوما معينا فصام قبله . وبهذا الفصل قال الشافعي ، إلا في الكفارة ، فإنه لا يوجبها في المنذور ، وقد ذكرنا دليل وجوبها [ ص: 84 ] فصل : إذا صام شهرا من أول الهلال ، أجزأه ، ناقصا كان أو تاما ; لأن ما بين الهلالين شهر ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : { إنما الشهر تسع وعشرون } .

                                                                                                                                            وإن بدأ من أثناء شهر ، لزمه شهر بالعدد ، ثلاثون يوما ; لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم ، فأكملوا ثلاثين } . فإن صام شوالا ، لزمه إكماله ثلاثين ; لأنه بدأ من أثنائه ، وإن كان ناقصا ، قضى يومين ، وإن كان تاما أتم يوما واحدا . وإن صام ذا الحجة أفطر يوم الأضحى وأيام التشريق ، ولم ينقطع تتابعه ، كما لو أفطرت المرأة بحيض ، وعليه كفارة ، ويقضي أربعة أيام إن كان تاما ، وخمسة إن كان ناقصا .

                                                                                                                                            ويحتمل أن لا يلزمه إلا الأربعة ، وإن كان ناقصا ; لأنه بدأه من أوله ، فيقضي المتروك منه لا غير . ولو صام شهرا من أول الهلال ، فمرض فيه أياما معلومة ، أو حاضت المرأة فيه ثم طهرت قبل خروجه ، قضى ما أفطر منه بعدته إن كان الشهر تاما ، وإن كان ناقصا ، فهل يلزمه الإتيان بيوم آخر ؟ على وجهين ; بناء على ما ذكرنا في فطر العيد وأيام التشريق .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية