الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            [ ص: 520 ] [ ص: 521 ] 3 - الإجماع .

            ص - الإجماع : العزم والاتفاق . وفي الاصطلاح : اتفاق المجتهدين من هذه الأمة في عصر على أمر .

            ومن يرى انقراض العصر - يزيد " إلى انقراض العصر " .

            ومن يرى أن الإجماع لا ينعقد مع سبق خلاف مستقر من ميت أو حي ، وجوز وقوعه - يزيد " لم يسبقه خلاف مجتهد مستقر " .

            الغزالي ، - رحمه الله - : اتفاق أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - على أمر من الأمور الدينية . ويرد عليه أنه [ يوجد ] ولا يطرد بتقدير عدم المجتهدين ، ولا ينعكس بتقدير اتفاقهم على عقلي أو عرفي .

            التالي السابق


            ش - لما فرغ من السنة شرع في الإجماع ، وذكر فيه مقدمة واثنتين وعشرين مسألة .

            أما المقدمة ففي تعريفه ، وإثباته ، وإثبات العلم به ، وفي كونه حجة .

            والإجماع في اللغة : العزم . قال الله تعالى : فأجمعوا أمركم أي اعزموا . [ ص: 522 ] والاتفاق . يقال أجمعوا على كذا ، أي اتفقوا .

            وفي اصطلاح العلماء هو ما ذكره المصنف . ف " الاتفاق " كالجنس ، ونعني به الاشتراك ، إما في الاعتقاد ، أو القول ، أو الفعل ، أو إطباق بعضهم على الاعتقاد وبعضهم على القول ، أو الفعل الدالين على الاعتقاد .

            وبقولنا : " المجتهدين " يخرج عنه اتفاق غيرهم من المقلدين .

            وبقولنا : " هذه الأمة " نعني أمة محمد - عليه السلام - ، يخرج اتفاق المجتهدين من الأمم السالفة .

            وبقولنا : " في عصر " يدخل اتفاق مجتهدي كل عصر ، فإنه إجماع ; إذ لا يشترط في الإجماع اتفاق هذه الأمة في كل الأعصار . ويخرج اتفاق بعض المجتهدين في عصر .

            وإنما قال : " في أمر " ليدخل فيه الإثبات والنفي ، والقول ، والفعل الشرعي والعقلي والعرفي .

            وهذا التعريف لمن لا يشترط في الإجماع انقراض أهل العصر ، وقال : إن الإجماع ينعقد مع سبق خلاف مستقر من ميت أو حي .

            أما من اشترط انقراض أهل العصر فينبغي أن يزيد في الحد . " إلى انقراض العصر " ليوافق مذهبه .

            ومن قال : إن الإجماع لا ينعقد مع سبق خلاف مستقر من ميت أو حي ، أي اتفاق أهل العصر الثاني على أحد قولي أهل العصر الأول بعد استقرار خلافهم ، لا ينعقد إجماعا ، وجوز وقوع هذا الاتفاق [ ص: 523 ] بعد استمرار الخلاف من أهل العصر الأول ، يزيد " لم يسبقه خلاف مجتهد مستقر " ليخرج عن الحد اتفاق أهل العصر الثاني ، ليكون التعريف مطابقا لمذهبه .

            ومن لم يجوز وقوع هذا الاتفاق من أهل العصر الثاني بعد استقرار الخلاف بين أهل العصر الأول ، لم يحتج إلى زيادة هذا القيد ; لأن القيد لا يزاد في التعريف لخروج غير المحدود [ من الممتنعات ] .

            وحد الغزالي - رحمه الله - الإجماع بأن اتفاق أمة محمد - عليه السلام - على أمر من الأمور الدينية .

            وزيفه المصنف بأنه يرد عليه [ أن ] لا يوجد إجماع أصلا ; لأنه اعتبر اتفاق أمة محمد ، - عليه السلام - ، وهي تتناول جميع المسلمين إلى يوم القيامة ، [ و ] لا يتصور اجتماعهم .

            وعلى تقدير تخصيص الأمة بالموجودين منهم في عصر ، لا يطرد الحد ، بتقدير عدم المجتهدين في عصر . فإن اتفاق أهل العصر الحال عن المجتهدين على أمر ديني داخل في حده ، وليس بإجماع ; إذ لا اعتداد بقول العوام .

            وأيضا لا ينعكس التعريف المذكور بتقدير اتفاق المجتهدين على أمر [ ص: 524 ] عقلي أو عرفي ; لأن حده لا يكون صادقا على مثل هذا الاتفاق ; ضرورة اعتبار قيد " الدينية " تعريفه . وهو إجماع .

            ويمكن أن يدفع بالعناية بأنه أراد ب " أمة محمد " الموجودين في عصر واحد . فإن أمة محمد - عليه السلام - كما يجوز إطلاقه على الموجودين إلى يوم القيامة ، يجوز إطلاقه على الموجودين في عصر واحد .

            وأراد ب " الأمة " المجتهدين ; لأنهم في محل الاعتبار . وإنما أتى بلفظ " الأمة " دون " المجتهدين " ليكون موافقا لما في القرآن والأحاديث الدالة على كون الإجماع حجة . نحو : وكذلك جعلناكم أمة وسطا . " لا تجتمع أمتي على الضلالة " .

            [ ص: 525 ] وحد الغزالي للإجماع الشرعي ، فلا يكون اتفاق أمة محمد على أمر عقلي أو عرفي إجماعا عنده . فلم يلزم عدم الانعكاس .




            الخدمات العلمية