الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون

                                                                                                                                                                                                                                      أفحكم الجاهلية يبغون إنكار وتعجيب من حالهم وتوبيخ لهم ، والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام ; أي : يتولون عن حكمك فيبغون حكم الجاهلية ، وتقديم المفعول للتخصيص المفيد لتأكيد الإنكار والتعجيب ; لأن التولي عن حكمه صلى الله عليه وسلم وطلب حكم آخر منكر عجيب ، وطلب حكم الجاهلية أقبح وأعجب ، والمراد بالجاهلية : إما الملة الجاهلية التي هي متابعة الهوى الموجبة للميل والمداهنة في الأحكام ، فيكون تعييرا لليهود بأنهم مع كونهم أهل كتاب وعلم يبغون حكم الجاهلية التي هي هوى وجهل ، لا يصدر عن كتاب ولا يرجع إلى وحي ، وإما أهل الجاهلية وحكمهم ما كانوا عليه من التفاضل فيما بين القتلى ، حيث روي أن بني النضير لما تحاكموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في خصومة قتل وقعت بينهم وبين بني قريظة ، طلبوا إليه صلى الله عليه وسلم أن يحكم بينهم بما كان عليه أهل الجاهلية من التفاضل ، فقال صلى الله عليه وسلم : " القتلى سواء " ، فقال بنو النضير : نحن لا نرضى بذلك ، فنزلت .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرئ برفع الحكم على أنه مبتدأ ، و" يبغون " خبره ، والراجع محذوف ، حذفه في قوله تعالى : أهذا الذي بعث الله رسولا ، وقد استضعف ذلك في غير الشعر . وقرئ بتاء الخطاب إما بالالتفات لتشديد التوبيخ ، وإما بتقدير القول ; أي : قل لهم : أفحكم ... إلخ . وقرئ بفتح الحاء والكاف ; أي : أفحكاما كحكام الجاهلية يبغون .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن أحسن من الله حكما إنكار لأن يكون أحد حكمه أحسن من حكمه تعالى أو مساو له ، وإن كان ظاهر السبك غير متعرض لنفي المساواة وإنكارها ، وقد مر تفصيله في تفسير قوله تعالى : ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله .

                                                                                                                                                                                                                                      لقوم يوقنون ; أي : عندهم ، واللام كما في هيت لك ; أي : هذا الاستفهام لهم ، فإنهم الذين يتدبرون الأمور بأنظارهم ، فيعلمون يقينا أن حكم الله عز وجل أحسن الأحكام وأعدلها .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية