الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8220 ) فصل : وإذا أراد الإمام تولية قاض ، فإن كان له خبرة بالناس ويعرف من يصلح للقضاء ، ولاه ، وإن لم يعرف ذلك ، سأل أهل المعرفة بالناس ، واسترشدهم على من يصلح . وإن ذكر له رجل لا يعرفه ، أحضره وسأله ، وإن عرف عدالته ، وإلا بحث عن عدالته ، فإذا عرفها ولاه ، ويكتب له عهدا يأمره فيه بتقوى الله ، والتثبت في القضاء ، ومشاورة أهل العلم ، وتصفح أحوال الشهود ، وتأمل الشهادات ، وتعاهد اليتامى ، وحفظ أموالهم وأموال الوقوف ، وغير ذلك مما يحتاج إلى مراعاته . ثم إن كان البلد الذي ولاه قضاءه بعيدا ، لا يستفيض إليه الخبر بما يكون في بلد الإمام ، أحضر [ ص: 92 ] شاهدين عدلين وقرأ عليهما العهد ، وأقرآه غيره بحضرته ، وأشهدهما على توليته ; ليمضيا معه إلى بلد ولايته ، فيقيما له الشهادة ، ويقول لهما : اشهدا على أني قد وليته قضاء البلد الفلاني ، وتقدمت إليه بما اشتمل هذا العهد عليه .

                                                                                                                                            وإن كان البلد قريبا من بلد الإمام ، يستفيض إليه ما يجري في بلد الإمام ، مثل أن يكون بينهما خمسة أيام أو ما دونها ، جاز أن يكتفي بالاستفاضة دون الشهادة ; لأن الولاية تثبت بالاستفاضة . وبهذا قال الشافعي ، إلا أن عنده في ثبوت الولاية بالاستفاضة في البلد القريب وجهين .

                                                                                                                                            وقال أصحاب أبي حنيفة : تثبت بالاستفاضة . ولم يفصلوا بين القريب والبعيد ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم ولى عليا ومعاذا قضاء اليمن وهو بعيد ، من غير شهادة ، وولى الولاة في البلدان البعيدة وفوض إليهم الولاية والقضاء ، ولم يشهد ، وكذلك خلفاؤه . ولم ينقل عنهم الإشهاد على تولية القضاء ، مع بعد بلدانهم .

                                                                                                                                            ولنا ، أن القضاء لا يثبت إلا بأحد الأمرين ، وقد تعذرت الاستفاضة في البلد البعيد ; لعدم وصولها إليه ، فتعين الإشهاد ، ولا نسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشهد على توليته ، فإن الظاهر أنه لم يبعث واليا إلا ومعه جماعة ، فالظاهر أنه أشهدهم ، وعدم نقله لا يلزم منه عدم فعله ، وقد قام دليله فتعين وجوده .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية