الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8230 ) مسألة ; قال : ( ولا يحكم الحاكم بين اثنين وهو غضبان ) لا خلاف بين أهل العلم فيما علمناه ، في أن القاضي لا ينبغي له أن يقضي وهو غضبان . كره ذلك شريح ، وعمر بن عبد العزيز ، وأبو حنيفة ، والشافعي . { وكتب أبو بكرة إلى عبد الله بن أبي بكرة وهو قاض بسجستان ، أن لا تحكم بين اثنين وأنت غضبان ; فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان } متفق عليه . وكتب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى : إياك والغضب ، والقلق ، والضجر ، والتأذي بالناس ، والتنكر لهم عند الخصومة ، فإذا رأيت الخصم يتعمد الظلم ، فأوجع رأسه . ولأنه إذا غضب تغير عقله ، ولم يستوف رأيه وفكره .

                                                                                                                                            وفي معنى الغضب كل ما شغل فكره من الجوع المفرط ، والعطش الشديد ، والوجع المزعج ، ومدافعة أحد الأخبثين ، وشدة النعاس ، والهم ، والغم ، والحزن ، والفرح ، فهذه كلها تمنع الحاكم ; لأنها تمنع حضور القلب ، واستيفاء الفكر ، الذي يتوصل به إلى إصابة الحق في الغالب ، فهي في معنى الغضب المنصوص عليه ، فتجري مجراه . فإن حكم في الغضب أو ما شاكله ، فحكي عن القاضي ، أنه لا ينفذ قضاؤه ; لأنه منهي عنه ، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه . وقال في " المجرد " : ينفذ قضاؤه .

                                                                                                                                            وهو مذهب الشافعي ; لما روي ، أن { النبي صلى الله عليه وسلم اختصم إليه الزبير ورجل من الأنصار ، في شراج الحرة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للزبير : اسق ، ثم أرسل الماء إلى جارك . فقال الأنصاري : أن كان ابن عمتك . فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال للزبير : اسق ، ثم احبس الماء حتى يبلغ الجدر } . متفق عليه . فحكم في حال غضبه . وقيل : إنما يمنع الغضب الحاكم إذا كان قبل أن يتضح له الحكم في المسألة ، فأما إن اتضح الحكم ، ثم عرض الغضب ، لم يمنعه ; لأن الحق قد استبان قبل الغضب ، فلا يؤثر الغضب فيه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية