الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 522 ] 718 - باب بيان مشكل كيفية القسامة كيف كانت مما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه

4587 - حدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب أن مالكا أخبره ، عن يحيى بن سعيد ، عن بشير بن يسار أنه أخبره أن عبد الله بن سهل الأنصاري ومحيصة بن مسعود خرجا إلى خيبر ، فتفرقا في حوائجهما ، فقتل عبد الله بن سهل ، فبلغ محيصة ، فأتى هو وأخوه حويصة وعبد الرحمن بن سهل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذهب عبد الرحمن ليتكلم لمكانه من أخيه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كبر كبر " ، فتكلم حويصة ومحيصة ، فذكرا شأن عبد الله بن سهل ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تحلفون خمسين يمينا ، وتستحقون قاتلكم أو صاحبكم " ، قالوا : يا رسول الله ، لم نشهد ولم نحضر . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أفتبرئكم يهود بخمسين يمينا ؟ " قالوا : يا رسول الله ، كيف نقبل أيمان قوم كفار ؟ قال مالك : قال يحيى بن سعيد : فزعم بشير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وداه من عنده .

[ ص: 523 ] هكذا روى مالك هذا الحديث عن بشير ولم يتجاوزه إلى غيره ، وقد رواه غيره فتجاوز به إلى سهل بن أبي حثمة .

4588 - كما حدثنا يونس ، حدثنا سفيان ، عن يحيى بن سعيد ، سمع بشير بن يسار ، عن سهل بن أبي حثمة قال : وجد عبد الله بن سهل قتيلا في قليب من قلب خيبر ، فجاء أخوه عبد الرحمن بن سهل وعماه محيصة وحويصة ، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذهب عبد الرحمن ليتكلم ، فقال النبي [ ص: 524 ] عليه السلام : الكبر الكبر " ، فتكلم أحد عميه ، إما حويصة وإما محيصة ، فكلم الكبير منهما ، قال : يا رسول الله ، إنا وجدنا عبد الله بن سهل قتيلا في قليب من قلب خيبر ، وذكر عداوة يهود لهم ، قال : " أفتبرئكم يهود بخمسين يمينا : إنهم لم يقتلوه ؟ " قالوا : كيف نرضى بأيمانهم وهم مشركون ؟ قال : " فيقسم منكم خمسون : إنهم قتلوه " قالوا : كيف نقسم على ما لم نر ؟ فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده .

ففي هذا الحديث تبرئة رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود في الأيمان ، وهذا خلاف ما في حديث مالك ، غير أن أكثر الناس رووه على موافقة مالك فيه . فممن رواه كذلك بشر بن المفضل .

4589 - كما حدثنا أحمد بن داود قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا بشر بن المفضل ، عن يحيى بن سعيد ، عن بشير بن يسار ، [ ص: 525 ] عن سهل بن أبي حثمة قال : انطلق عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود بن زيد إلى خيبر ، وهي يومئذ صلح ، فتفرقا في حوائجهما ، فأتى محيصة على عبد الله بن سهل وهو يتشحط في دمه ، فدفنه ، ثم قدم المدينة ، فانطلق عبد الرحمن بن سهل وحويصة ومحيصة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر بقية حديث مالك .

فقال قائلون : هكذا القسامة على ما [ في ] حديث مالك وبشر بن المفضل ، يبدأ فيها أولياء الدم .

وخالفهم في ذلك آخرون ، فقالوا : بل يبدأ فيها بالموجود ذلك القتيل بين ظهرانيهم على ما في حديث ابن عيينة ، وفي حديث أبي سلمة وسليمان عن رجال من الأنصار الذي ذكرنا في الباب الذي قبل هذا الباب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليهود بدأ بهم : " يحلف منكم خمسون " ، فهذا مخالف لحديث بشير ، وهو أولى منه لجلالة قدر رواة هذا الحديث على رواة حديث يحيى بن سعيد ، مع أنا قد وجدنا حديث بشير قد روي عنه بخلاف ما رواه عنه يحيى بن سعيد .

[ ص: 526 ]

4590 - كما قد حدثنا فهد ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا سعيد بن عبيد الطائي ، عن بشير بن يسار أن رجلا من الأنصار يقال له : سهل بن أبي حثمة ، أخبره أن نفرا من قومه انطلقوا إلى خيبر ، فتفرقوا فيها ، فوجدوا أحدهم قتيلا ، فقالوا للذين وجدوه عندهم : قتلتم صاحبنا ؟ قالوا : والله ما قتلنا ولا علمنا له قاتلا ، فانطلقوا إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا نبي الله ، انطلقنا إلى خيبر ، فوجدنا أحدنا قتيلا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الأكبر الأكبر ، فقال لهم : " تأتون بالبينة على من قتل " ، قالوا : ما لنا بينة . قال : " فيحلفون لكم " ، قالوا : لا نرضى بأيمان اليهود ، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطل دمه ، فوداه بمائة من إبل الصدقة .

قال أبو جعفر : ففي هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما جعل الأيمان في هذا المعنى على اليهود الموجود ذلك القتيل فيهم ، لا على أولياء ذلك القتيل ، وقد شد ذلك حديث أبي سلمة وسليمان على ما رويناه من قضاء عمر على الحارث بن الأزمع وقومه ، وهذا عندنا مما لا يسع خلافه .

التالي السابق


الخدمات العلمية