الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 179 ] 7 - ومن باب التيمم

حديث عمار في كيفية التيمم - هل التيمم إلى المرفقين ؟ ورواية أخرى لحديث عمار - وجوه اختلاف أهل العلم في ذلك - من ذهب من الصحابة والتابعين إلى مسح اليدين إلى المرفقين ؟ - التيمم إلى الرسغين - من ذهب إلى أن التيمم إلى الوجه والكفين - تحليل حديث عمار وبيان أنه منسوخ - حديث رواه الجماعة في التيمم فيه المسح إلى المفصلين فقط - المسح على الكفين في التيمم .

أخبرني عبد المنعم بن عبد الله بن محمد ، أخبرنا عبد الغفار بن محمد بن الحسين التاجر ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي ، أخبرنا محمد بن يعقوب ، أخبرنا الربيع ، أخبرنا الشافعي ، أخبرنا الثقة ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن أبيه ، عن عمار بن ياسر ، قال : كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر ، فنزلت آية التيمم ، فتيممنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المناكب .

هكذا رواه الشافعي عن الثقة ، عن معمر ، ورواه عبد الرزاق ، عن معمر ، فلم يذكر فيه : عن أبيه ، واختلفوا فيه عن الزهري فقيل : عنه عن أبيه ، وقيل : عنه دون ذكر أبيه ، وقيل : عنه ، عن ابن عباس .

ورواه مالك ، عن الزهري ، نحو رواية الشافعي .

[ ص: 180 ] وأخبرنا أبو منصور شهر دار بن شيرويه الحافظ ، قراءة عليه بهمذان ، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن حمد ، أخبرنا أحمد بن الحسين ، أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ ، أخبرنا أحمد بن شعيب ، أخبرني محمد بن يحيى بن عبد الله ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا أبي عن صالح ، عن ابن شهاب ، حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن ابن عباس ، عن عمار قال : عرس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأولات الجيش ، ومعه عائشة زوجته ، فانقطع عقدها من جزع أظفار ، فحبس الناس في ابتغاء عقدها ذلك حتى أضاء الفجر ، وليس مع الناس ماء ، فتغيظ عليها أبو بكر فقال : حبست الناس وليس معهم ماء ، فأنزل الله تعالى رخصة التيمم بالصعيد ، قال : فقام المسلمون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضربوا بأيديهم الأرض ، ثم رفعوا أيديهم ولم ينفضوا من التراب شيئا ، فمسحوا بها وجوههم وأيديهم إلى المناكب ، ومن بطون أيديهم إلى الآباط

[ ص: 181 ] هذا حديث حسن ، أخرجه أبو داود في كتابه ، عن محمد بن أحمد بن أبي خلف ، ومحمد بن يحيى في آخرين ، عن يعقوب بن إبراهيم .

وقد اختلف أهل العلم في هذا الباب على أربعة أوجه :

فذهب بعضهم إلى حديث عمار هذا ، ورأوا مسح اليدين إلى الآباط ، وإليه ذهب الزهري .

وقالت طائفة : التيمم ضربتان : ضربة للوجه ، وضربة لليدين إلى المرفقين ، وإليه ذهب عبد الله بن عمر بن الخطاب وابنه سالم ، والشعبي ، والحسن البصري ، ومالك بن أنس ، والليث بن سعد ، وأكثر أهل الحجاز ، والثوري ، وأبو حنيفة ، وأهل الكوفة ، والشافعي وأصحابه .

وذهب آخرون إلى أن التيمم ضربتان : ضربة للوجه ، وضربة لليدين إلى الرسغين ، ويروى هذا القول عن علي بن أبي طالب .

ذهبت الفرقة الرابعة إلى أن التيمم ضربة للوجه والكفين ، وهو قول عطاء ، ومكحول ، وإحدى الروايتين عن الشعبي ، والأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأكثر أهل الحديث .

[ ص: 182 ] وقالوا : حديث عمار لا يخلوا إما أن يكون عن أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أو لا ؛ فإن لم يكن من أمره فقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلاف هذا ، ولا حجة لأحد مع كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - والحق أحق أن يتبع ، وإن كان عن أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو منسوخ ، وناسخه أيضا حديث عمار .

قرأت على أبي موسى الحافظ ، أخبرك أبو القاسم غانم بن أبي نصر البرجي ، أخبرنا أبو نعيم ، حدثنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا يونس بن حبيب ، حدثنا أبو داود ، حدثنا شعبة ، عن الحكم ، سمع ذر بن عبد الله يحدث عن عبد الرحمن بن أبزى ، عن أبيه قال : أتى رجل عمر - رضي الله عنه - فذكر أنه كان في سفر فأجنب ، ولم يجد الماء ، فقال : لا تصل . فقال عمار : أما تذكر يا أمير المؤمنين أني كنت في سفر أنا وأنت في سرية ، فأجنبنا فلم نجد الماء ، فأما أنت فلم تصل ، وأما أنا فتمعكت في التراب فصليت ، فلما قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكرنا ذلك له فقال : أما أنت فلم يكن ينبغي لك أن تدع الصلاة ، وأما أنت يا عمار فلم يكن ينبغي لك أن تتمعك كما تتمعك الدابة ، إنما كان يجزيك ، وضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده في التراب ، ثم قال : هكذا ، فنفخ فيها ، فمسح وجهه ويديه إلى المفصل ، وليس فيه الذراعان .

[ ص: 183 ] هذا حديث صحيح ثابت ، رواه البخاري في الصحيح ، عن آدم بن أبي إياس ، عن شعبة ، وقال في الحديث : ثم مسح بهما وجهه وكفيه ، ثم رواه عن جماعة ، عن شعبة .

ورواه مسلم بن الحجاج من حديث يحيى القطان ، والنضر بن شميل ، عن شعبة ، قالوا : وهذا الحديث ظاهر الدلالة في النسخ ؛ لتأخره عن الحديث الأول ؛ لأن الحديث الأول فيه شأن نزول الرخصة في التيمم ، وقد صرح بأن عمارا شهد ذلك ، وكان ذلك في غزوة بني المصطلق .

الحديث الثاني كان في بعض السرايا .

فإن قيل : فلو كان عمار حفظ التيمم في أول الأمر كان الحديث الثاني بعد الأول كما زعمتم ، لما اضطر عمار إلى التمريغ في التراب تمريغ الدابة ولاكتفى بالمسح إلى الآباط ، قلت : إنما أشكل الأمر على عمر وعمار لحصول الجنابة ، فاعتزل عمر ، وتمعك عمار ظنا منه أن حالة الجنابة تخالف حالة الحدث الأصغر ، إذ ليس في الحديث الأول ما يدل على أن القوم كانوا قد أصابتهم جنابة ، وإنما فيه أن القوم كانوا نياما ، فأصبحوا وهم على غير ماء ، واحتاجوا إلى الوضوء ، فأمروا بالوضوء .

[ ص: 184 ] أخبرني أبو المحاسن محمد بن علي الزاهد ، أخبرنا زاهر بن أبي عبد الرحمن ، أخبرنا أبو بكر البيهقي ، أخبرنا الحاكم ، أخبرنا العباس الموصلي ، أخبرنا الربيع قال : قال الشافعي - رضي الله عنه - : ولا يجوز على عمار إذا كان ذكر تيممهم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - عند نزول الآية إلى المناكب إن كان عن أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أنه منسوخ عنده ؛ إذ روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالتيمم على الوجه والكفين .

التالي السابق


الخدمات العلمية