الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 527 ] 719 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في القسامة التي قضى بها على اليهود ، وجعل الدية عليهم ، هل تكون كذلك الأحكام فيمن بعدهم تكون الدية على ساكني الموضع الموجود فيه ذلك القتيل ، وإن لم يكونوا يملكونه ؟ أو على مالكيه ؟

قال أبو جعفر : قد روينا في حديث سهل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأنصار : " إما أن يدوا صاحبكم ، وإما أن يؤذنوا بحرب " .

وفي حديث أبي سلمة وسليمان أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل دية ذلك القتيل على اليهود ، وخيبر فإنما كانت للمسلمين ، وكانت اليهود عمالهم فيها .

قال أبو يوسف : فهكذا أقول ، إذا كانت دار لها سكان لا يملكونها ، ولها مالكون بعدوا عنها ، فالقسامة والدية على ساكنها ، لا على مالكيها الذين لا يسكنونها . وقد خالفه في ذلك أبو حنيفة ومحمد بن الحسن ، وكثير من أهل العلم سواهما ، فجعلوا القسامة [ ص: 528 ] والدية في ذلك على المالكين ، لا على السكان الذين لا يملكون ذلك الموضع .

وتأملنا ما قاله أبو يوسف في ذلك ، فوجدناه قد أوهم فيه ، لأن في حديث بشر بن المفضل أنها كانت - يعني خيبر - يومئذ صلحا ، وقد شد ذلك حديث مالك عن أبي ليلى ، عن سهل الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إما أن يدوا صاحبكم ، وإما أن يؤذنوا بحرب " ، وذلك لا يكون إلا على موضع هو لهم ، وقد وافق بشر بن المفضل على ما روي في خيبر أنها كانت صلحا يومئذ عن يحيى بن سعيد سليمان بن بلال .

4591 - كما قد حدثنا محمد بن خزيمة قال : حدثنا القعنبي قال : حدثنا سليمان بن بلال ، عن يحيى بن سعيد ، [ عن بشير بن يسار ] أن عبد الله بن سهل ومحيصة خرجا إلى خيبر في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي يومئذ صلح وأهلها يهود ، فتفرقا لحاجتهما ، فقتل عبد الله بن سهل ، فوجد في شربة مقتولا ، فدفنه صاحبه ، ثم أقبل إلى المدينة ، فمشى أخو المقتول عبد الرحمن بن سهل وحويصة ومحيصة ، فذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم شأن عبد الله بن سهل وكيف قتل ، فزعم بشير بن يسار وهو يحدث عمن أدرك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لهم : تحلفون خمسين يمينا وتستحقون قتيلكم أو صاحبكم ؟ قالوا : يا رسول الله ، ما شهدنا ولا حضرنا ، قال : " أفتبرئكم اليهود بخمسين يمينا ؟ " قالوا : يا رسول الله ، وكيف نقبل أيمان قوم كفار ؟ فزعم بشير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عقله .

[ ص: 529 ] قال أبو جعفر : فعقلنا بحديث بشر وسليمان إيهام أبي يوسف في هذا الحديث في الأمر الذي كانت عليه خيبر لما وجد فيها ذلك القتيل ، وأنها لم تكن للمسلمين ، وإنما كانت لليهود ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية