الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب كراهة تنخم المصلي قبله أو عن يمينه

                                                                                                                                            857 - ( عن أبي هريرة وأبي سعيد { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في جدار المسجد ، فتناول حصاة فحتها وقال : إذا تنخم أحدكم فلا يتنخمن قبل وجهه ولا عن يمينه وليبصق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى } . متفق عليه .

                                                                                                                                            وفي رواية للبخاري : " فيدفنها " ) .

                                                                                                                                            858 - ( وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا قام أحدكم في صلاته فلا يبزقن قبل قبلته ، ولكن عن يساره أو تحت قدمه } ، ثم أخذ طرف ردائه فبصق فيه ورد [ ص: 394 ] بعضه على بعض ، فقال : أو يفعل هكذا . رواه أحمد والبخاري ، ولأحمد ومسلم نحوه بمعناه من حديث أبي هريرة ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            قوله : ( نخامة ) هي ما تخرج من الصدر وقيل : النخاعة بالعين من الصدر وبالميم من الرأس كذا في الفتح . قوله : ( في جدار المسجد ) في رواية البخاري : ( في القبلة ) وفي أخرى له أيضا ( في جدار القبلة ) وهذا يبين أن المراد بجدار المسجد الذي من جهة القبلة . قوله : ( فتناول حصاة فحتها ) في رواية للبخاري " فحكه بيده " وفي رواية " فحكه " . واختلاف الروايات يدل على جواز الحك باليد أو الحصى أو غيرهما مما يزيل الأثر

                                                                                                                                            وقد بوب البخاري للحك باليد وبوب للحك بالحصى . قوله : ( قبل وجهه ) بكسر القاف وفتح الموحدة : أي جهة وجهه . قوله : ( ولا عن يمينه ) ظاهر حديث أبي هريرة كراهة ذلك داخل الصلاة وخارجها لعدم تقييده بحال الصلاة . وقد جزم النووي بالمنع في كل حالة داخل الصلاة وخارجها سواء كان في المسجد أم غيره

                                                                                                                                            قال الحافظ : ويشهد للمنع ما رواه عبد الرزاق وغيره عن ابن مسعود أنه كره أن يبصق عن يمينه وليس في صلاة . وعن معاذ بن جبل : ما بصقت عن يميني منذ أسلمت . وعن عمر بن عبد العزيز أنه نهى ابنه عنه مطلقا . وقال مالك : لا بأس به خارج الصلاة . ويدل لما قاله التقييد بالصلاة في حديث أنس المذكور في الباب

                                                                                                                                            قوله : ( وليبصق عن يساره ) ظاهر هذا جواز البصق عن اليسار في المسجد وغيره وداخل الصلاة وخارجها . وظاهر قوله صلى الله عليه وسلم : { البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها } كما أخرجه الشيخان عدم جواز التفل في المسجد إلى جهة اليسار وغيرها . قال الحافظ : وحاصل النزاع أن ههنا عمومين تعارضا وهما قوله : ( البزاق في المسجد خطيئة ) .

                                                                                                                                            وقوله : " وليبصق عن يساره أو تحت قدمه " فالنووي يجعل الأول عاما ويخص الثاني بما إذا لم يكن في المسجد ، والقاضي عياض بخلافه يجعل الثاني عاما فيخص الأول بمن لم يرد دفنها . وقد وافق القاضي جماعة منهم ابن مكي والقرطبي وغيرهما . ويشهد له ما رواه أحمد بإسناد حسن من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعا : { فمن تنخم في المسجد فليغيب نخامته أن يصيب جلد مؤمن أو ثوبه فتؤذيه } . وأوضح منه في المقصود ما رواه أحمد أيضا والطبراني بإسناد حسن من حديث أبي أمامة مرفوعا . قال : { من تنخع في المسجد فلم يدفنه فسيئة ، وإن دفنه فحسنة } فلم يجعل سيئة إلا بقيد عدم الدفن . ونحوه حديث أبي ذر عند مسلم مرفوعا ، قال : { ووجدت في مساوي أعمال أمتي النخاعة تكون في المسجد لا تدفن }

                                                                                                                                            قال القرطبي : فلم يثبت لها حكم السيئة بمجرد إيقاعها في المسجد به وبتركها غير مدفونة انتهى . ومما يدل على ذلك أي تخصيص عموم قوله : " البزاق في المسجد خطيئة " جواز التنخم في الثوب ولو [ ص: 395 ] كان في المسجد بلا خلاف

                                                                                                                                            وعند أبي داود من حديث عبد الله بن الشخير : { أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فبصق تحت قدمه اليسرى ثم دلكه بنعله } قال الحافظ : إسناده صحيح وأصله في مسلم والظاهر أن ذلك كان في المسجد فيؤيد ما تقدم ويؤيد قول النووي تصريحه صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه بأن البزاق في المسجد خطيئة وأن دفنها كفارة لها فإن دلالته على كتب الخطيئة بمجرد البزاق في المسجد ظاهرة غاية الظهور ، ولكنها تزول بالدفن وتبقى بعدمه . قال الحافظ : وتوسط بعضهم فحمل الجواز على ما إذا كان له عذر كأن لم يتمكن من الخروج من المسجد ، والمنع على ما إذا لم يكن له عذر وهو تفصيل حسن . انتهى

                                                                                                                                            قوله : ( فيدفنها ) قال النووي في الرياض : يدفنها إذا كان المسجد ترابيا أو رمليا فأما إذا كان مبلطا مثلا فدلكها بشيء مثلا فليس ذلك بدفن بل زيادة في التقذر . قال الحافظ : لكن إذا لم يبق لها أثر ألبتة فلا مانع . وعليه قوله في حديث عبد الله بن الشخير المتقدم ثم دلكه بنعله

                                                                                                                                            قوله : ( أو يفعل هكذا ) ظاهر هذا أنه مخير بين ما ذكر وظاهر النهي عن البصق إلى القبلة : التحريم . ويؤيده تعليله بأن ربه تعالى بينه وبين القبلة كما في البخاري من حديث أنس . وبأن الله قبل وجهه إذا صلى كما في حديث ابن عمر عند البخاري

                                                                                                                                            قال في الفتح : وهذا التعليل يدل على أن البزاق في القبلة حرام سواء كان في المسجد أو لا ولا سيما من المصلي فلا يجري فيه الخلاف في أن كراهية البزاق في المسجد هل هي للتنزيه أو للتحريم ؟ وفي صحيحي ابن حبان وابن خزيمة من حديث حذيفة مرفوعا : { من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة وتفله بين عينيه } وفي رواية لابن خزيمة من حديث ابن عمر مرفوعا { يبعث صاحب النخامة في القبلة يوم القيامة وهي في وجهه } ولأبي داود وابن حبان من حديث السائب بن خلاد { أن رجلا أم قوما فبصق في القبلة فلما فرغ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يصلي لكم } الحديث .

                                                                                                                                            وفيه أنه قال : " إنك آذيت الله ورسوله " انتهى .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية