الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          كفر

                                                          كفر : الكفر : نقيض الإيمان ، آمنا بالله وكفرنا بالطاغوت ؛ كفر بالله يكفر كفرا وكفورا وكفرانا . ويقال لأهل دار الحرب : قد كفروا أي عصوا وامتنعوا . والكفر : كفر النعمة ، وهو نقيض الشكر . والكفر : جحود النعمة ، وهو ضد الشكر . وقوله تعالى : إنا بكل كافرون أي جاحدون . وكفر نعمة الله يكفرها كفورا وكفرانا وكفر بها : جحدها وسترها . وكافره حقه : جحده . ورجل مكفر : مجحود النعمة مع إحسانه . ورجل كافر : جاحد لأنعم الله ، مشتق من الستر ، وقيل : لأنه مغطى على قلبه . قال ابن دريد : كأنه فاعل في معنى مفعول ، والجمع كفار وكفرة وكفار مثل جائع وجياع ونائم ونيام ؛ قال القطامي :


                                                          وشق البحر عن أصحاب موسى وغرقت الفراعنة الكفار



                                                          وجمع الكافرة كوافر . وفي حديث القنوت : واجعل قلوبهم كقلوب نساء كوافر الكوافر جمع كافرة ، يعني في التعادي والاختلاف ، والنساء أضعف قلوبا من الرجال لا سيما إذا كن كوافر ، ورجل كفار وكفور : كافر ، والأنثى كفور أيضا ، وجمعهما جميعا كفر ، ولا يجمع جمع السلامة لأن الهاء لا تدخل في مؤنثه ، إلا أنهم قد قالوا عدوة الله ، وهو مذكور في موضعه . وقوله تعالى : فأبى الظالمون إلا كفورا قال الأخفش : هو جمع الكفر مثل برد وبرود . وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : قتال المسلم كفر وسبابه فسق ومن رغب عن أبيه فقد كفر قال بعض أهل العلم : الكفر على أربعة أنحاء : كفر إنكار بأن لا يعرف الله أصلا ولا يعترف به ، وكفر جحود ، وكفر معاندة ، وكفر نفاق ؛ من لقي ربه بشيء من ذلك لم يغفر له ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء . فأما كفر الإنكار فهو أن يكفر بقلبه ولسانه ولا يعرف ما يذكر له من التوحيد ، وكذلك روي في قوله تعالى : إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون أي الذين كفروا بتوحيد الله ، وأما كفر الجحود فأن يعترف بقلبه ولا يقر بلسانه فهو كافر جاحد ككفر إبليس وكفر أمية بن أبي الصلت ، ومنه قوله تعالى : فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به يعني كفر الجحود ، وأما كفر المعاندة فهو أن يعرف الله بقلبه ويقر بلسانه ولا يدين به حسدا وبغيا ككفر أبي جهل وأضرابه ، وفي التهذيب : يعترف بقلبه ويقر بلسانه ويأبى أن يقبل كأبي طالب حيث يقول :


                                                          ولقد علمت بأن دين محمد     من خير أديان البرية دينا
                                                          لولا الملامة أو حذار مسبة     لوجدتني سمحا بذاك مبينا



                                                          وأما كفر النفاق فأن يقر بلسانه ويكفر بقلبه ولا يعتقد بقلبه . قال [ ص: 85 ] الهروي : سئل الأزهري عمن يقول بخلق القرآن أنسميه كافرا ؟ فقال : الذي يقوله كفر ، فأعيد عليه السؤال ثلاثا ويقول ما قال ، ثم قال في الآخر : قد يقول المسلم كفرا . قال شمر : والكفر أيضا بمعنى البراءة ، كقوله تعالى حكاية عن الشيطان في خطيئته إذا دخل النار : إني كفرت بما أشركتموني من قبل أي تبرأت . وكتب عبد الملك إلى سعيد بن جبير يسأله عن الكفر فقال : الكفر على وجوه : فكفر هو شرك يتخذ مع الله إلها آخر ، وكفر بكتاب الله ورسوله ، وكفر بادعاء ولد لله ، وكفر مدعي الإسلام ، وهو أن يعمل أعمالا بغير ما أنزل الله ويسعى في الأرض فسادا ويقتل نفسا محرمة بغير حق ، ثم نحو ذلك من الأعمال كفران : أحدهما كفر نعمة الله ، والآخر التكذيب بالله . وفي التنزيل العزيز : إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم قال أبو إسحاق : قيل فيه غير قول ، قال بعضهم : يعني به اليهود لأنهم آمنوا بموسى - عليه السلام - ثم كفروا بعزير ثم كفروا بعيسى ثم ازدادوا كفرا بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وقيل : جائز أن يكون محارب آمن ثم كفر ، وقيل : جائز أن يكون منافق أظهر الإيمان وأبطن الكفر ثم آمن بعد ثم كفر وازداد كفرا بإقامته على الكفر ، فإن قال قائل : الله عز وجل لا يغفر كفر مرة ، فلم قيل ها هنا فيمن آمن ثم كفر ثم آمن ثم كفر لم يكن الله ليغفر لهم ، ما الفائدة في هذا ؟ فالجواب في هذا ، والله أعلم ، أن الله يغفر للكافر إذا آمن بعد كفره ، فإن كفر بعد إيمان لم يغفر الله له الكفر الأول لأن الله يقبل التوبة ، فإذا كفر بعد إيمانه قبله كفر فهو مطالب بجميع كفره ، ولا يجوز أن يكون إذا آمن بعد ذلك لا يغفر له لأن الله عز وجل يغفر لكل مؤمن بعد كفره ، والدليل على ذلك قوله تعالى : وهو الذي يقبل التوبة عن عباده وهذا سيئة بالإجماع . وقوله سبحانه وتعالى : ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون معناه أن من زعم أن حكما من أحكام الله الذي أتت به الأنبياء ، عليهم السلام ، باطل فهو كافر . وفي حديث ابن عباس : قيل له : ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون وليسوا كمن كفر بالله واليوم الآخر ، قال : وقد أجمع الفقهاء أن من قال : إن المحصنين لا يجب أن يرجما إذا زنيا وكانا حرين ، كافر ، وإنما كفر من رد حكما من أحكام النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه مكذب قال كافر . وفي حديث ابن مسعود - رضي الله عنه : إذا قال الرجل للرجل أنت لي عدو فقد كفر أحدهما بالإسلام أراد كفر نعمته لأن الله عز وجل ألف بين قلوبهم فأصبحوا بنعمته إخوانا فمن لم يعرفها فقد كفرها . وفي الحديث : من ترك قتل الحيات خشية النار فقد كفر أي كفر النعمة ، وكذلك الحديث الآخر : من أتى حائضا فقد كفر وحديث الأنواء : إن الله ينزل الغيث فيصبح قوم به كافرين ؛ يقولون : مطرنا بنوء كذا وكذا أي كافرين بذلك دون غيره حيث ينسبون المطر إلى النوء دون الله ؛ ومنه الحديث : فرأيت أكثر أهلها النساء لكفرهن ، قيل : أيكفرن بالله ؟ قال : لا ولكن يكفرن الإحسان ويكفرن العشير أي يجحدن إحسان أزواجهن ؛ والحديث الآخر : سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ، ومن رغب عن أبيه فقد كفر ومن ترك الرمي فنعمة كفرها والأحاديث من هذا النوع كثيرة ، وأصل الكفر تغطية الشيء تغطية تستهلكه . وقال الليث : يقال إنما سمي الكافر كافرا لأن الكفر غطى قلبه كله ؛ قال الأزهري : ومعنى قول الليث هذا يحتاج إلى بيان يدل عليه وإيضاحه أن الكفر في اللغة التغطية ، والكافر ذو كفر أي ذو تغطية لقلبه بكفره ، كما يقال للابس السلاح كافر ، وهو الذي غطاه السلاح ، ومثله رجل كاس أي ذو كسوة ، وماء دافق ذو دفق ، قال : وفيه قول آخر أحسن مما ذهب إليه ، وذلك أن الكافر لما دعاه الله إلى توحيده فقد دعاه إلى نعمة وأحبها له إذا أجابه إلى ما دعاه إليه ، فلما أبى ما دعاه إليه من توحيده كان كافرا نعمة الله أي مغطيا لها بإبائه حاجبا لها عنه . وفي الحديث : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في حجة الوداع : ألا لا ترجعن بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض قال أبو منصور : في قوله كفارا قولان : أحدهما لابسين السلاح متهيئين للقتال من كفر فوق درعه إذا لبس فوقها ثوبا كأنه أراد بذلك النهي عن الحرب ، والقول الثاني أنه يكفر الناس فيكفر كما تفعل الخوارج إذا استعرضوا الناس فيكفرونهم ، وهو كقوله - صلى الله عليه وسلم : من قال لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما لأنه إما أن يصدق عليه أو يكذب ، فإن صدق فهو كافر ، وإن كذب عاد الكفر إليه بتكفيره أخاه المسلم . قال : والكفر صنفان : أحدهما الكفر بأصل الإيمان وهو ضده ، والآخر الكفر بفرع من فروع الإسلام فلا يخرجه به عن أصل الإيمان . وفي حديث الردة : وكفر من كفر من العرب ؛ أصحاب الردة كانوا صنفين : صنف ارتدوا عن الدين وكانوا طائفتين إحداهما أصحاب مسيلمة والأسود العنسي الذين آمنوا بنبوتهما ، والأخرى طائفة ارتدوا عن الإسلام وعادوا إلى ما كانوا عليه في الجاهلية ، وهؤلاء اتفقت الصحابة على قتالهم وسبيهم ، واستولد علي - عليه السلام - من سبيهم أم محمد بن الحنفية ثم لم ينقرض عصر الصحابة - رضي الله عنهم - حتى أجمعوا أن المرتد لا يسبى ، والصنف الثاني من أهل الردة لم يرتدوا عن الإيمان ولكن أنكروا فرض الزكاة وزعموا أن الخطاب في قوله تعالى : خذ من أموالهم صدقة ، خاص بزمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولذلك اشتبه على عمر - رضي الله عنه - قتالهم لإقرارهم بالتوحيد والصلاة ، وثبت أبو بكر - رضي الله عنه - على قتالهم بمنع الزكاة فتابعه الصحابة على ذلك لأنهم كانوا قريبي العهد بزمان يقع فيه التبديل والنسخ ، فلم يقروا على ذلك ، وهؤلاء كانوا أهل البغي فأضيفوا إلى أهل الردة حيث كانوا في زمانهم فانسحب عليهم اسمها ، فأما بعد ذلك فمن أنكر فرضية أحد أركان الإسلام كان كافرا بالإجماع ؛ ومنه حديث عمر - رضي الله عنه : ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم ولا تمنعوهم حقهم فتكفروهم لأنهم ربما ارتدوا إذا منعوا عن الحق . وفي حديث سعد - رضي الله عنه : تمتعنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعاوية كافر بالعرش قبل إسلامه ، والعرش : بيوت مكة ، وقيل معناه أنه مقيم مختبئ بمكة لأن التمتع كان في حجة الوداع بعد فتح مكة ، ومعاوية [ ص: 86 ] أسلم عام الفتح ، وقيل : هو من التكفير الذل والخضوع . وأكفرت الرجل : دعوته كافرا . يقال : لا تكفر أحدا من أهل قبلتك أي لا تنسبهم إلى الكفر أي لا تدعهم كفارا ولا تجعلهم كفارا بقولك وزعمك . وكفر الرجل : نسبه إلى الكفر . وكل من ستر شيئا ، فقد كفره وكفره . والكافر : الزراع لستره البذر بالتراب . والكفار : الزراع . وتقول العرب للزراع : كافر لأنه يكفر البذر المبذور بتراب الأرض المثارة إذا أمر عليها مالقه ؛ ومنه قوله تعالى : كمثل غيث أعجب الكفار نباته أي أعجب الزراع نباته ، وإذا أعجب الزراع نباته مع علمهم به فهو غاية ما يستحسن ، والغيث المطر ها هنا ؛ وقد قيل : الكفار في هذه الآية الكفار بالله وهم أشد إعجابا بزينة الدنيا وحرثها من المؤمنين . والكفر ، بالفتح : التغطية . وكفرت الشيء أكفره ، بالكسر ، أي سترته . والكافر : الليل ، وفي الصحاح : الليل المظلم لأنه يستر بظلمته كل شيء . وكفر الليل الشيء وكفر عليه : غطاه . وكفر الليل على أثر صاحبي : غطاه بسواده وظلمته . وكفر الجهل على علم فلان : غطاه . والكافر : البحر لستره ما فيه ، ويجمع الكافر كفارا ؛ وأنشد اللحياني :


                                                          وغرقت الفراعنة الكفار



                                                          وقول ثعلب بن صعيرة المازني يصف الظليم والنعامة ورواحهما إلى بيضهما عند غروب الشمس :


                                                          فتذكرا ثقلا رثيدا بعدما     ألقت ذكاء يمينها في كافر



                                                          وذكاء : اسم للشمس . ألقت يمينها في كافر أي بدأت في المغيب ، قال الجوهري : ويحتمل أن يكون أراد الليل ، وذكر ابن السكيت أن لبيدا سرق هذا المعنى فقال :


                                                          حتى إذا ألقت يدا في كافر     وأجن عورات الثغور ظلامها



                                                          قال : ومن ذلك سمي الكافر كافرا لأنه ستر نعم الله عز وجل ؛ قال الأزهري : ونعمه آياته الدالة على توحيده ، والنعم التي سترها الكافر هي الآيات التي أبانت لذوي التمييز أن خالقها واحد لا شريك له ؛ وكذلك إرساله الرسل بالآيات المعجزة والكتب المنزلة والبراهين الواضحة نعمة منه ظاهرة ، فمن لم يصدق بها وردها فقد كفر نعمة الله أي سترها وحجبها عن نفسه . ويقال : كافرني فلان حقي إذا جحده حقه ؛ وتقول : كفر نعمة الله وبنعمة الله كفرا وكفرانا وكفورا . وفي حديث عبد الملك : كتب إلي الحجاج : من أقر بالكفر فخل سبيله أي بكفر من خالف بني مروان وخرج عليهم ؛ ومنه حديث الحجاج : عرض عليه رجل من بني تميم ليقتله فقال : إني لأرى رجلا لا يقر اليوم بالكفر ، فقال : عن دمي تخدعني ؟ إني أكفر من حمار ، وحمار : رجل كان في الزمان الأول كفر بعد الإيمان وانتقل إلى عبادة الأوثان فصار مثلا . والكافر : الوادي العظيم ، والنهر كذلك أيضا : وكافر : نهر بالجزيرة ؛ قال المتلمس يذكر طرح صحيفته :


                                                          وألقيتها بالثني من جنب كافر     كذلك أقني كل قط مضلل



                                                          وقال الجوهري : الكافر الذي في شعر المتلمس النهر العظيم ، ابن بري في ترجمة عصا : الكافر المطر ، وأنشد :


                                                          وحدثها الرواد أن ليس بينها     وبين قرى نجران والشام كافر



                                                          وقال : كافر أي مطر . الليث : والكافر من الأرض ما بعد عن الناس لا يكاد ينزله أو يمر به أحد ؛ وأنشد :


                                                          تبينت لمحة من فر عكرشة     في كافر ما به أمت ولا عوج



                                                          وفي رواية ابن شميل :


                                                          فأبصرت لمحة من رأس عكرشة



                                                          وقال ابن شميل أيضا : الكافر الغائط الوطيء ، وأنشد هذا البيت . ورجل مكفر : وهو المحسان الذي لا تشكر نعمته . والكافر : السحاب المظلم . والكافر والكفر : الظلمة لأنها تستر ما تحتها ؛ وقول لبيد :


                                                          فاجرمزت ثم سارت وهي لاهية     في كافر ما به أمت ولا شرف



                                                          يجوز أن يكون ظلمة الليل وأن يكون الوادي . والكفر : التراب ؛ عن اللحياني لأنه يستر ما تحته . ورماد مكفور : ملبس ترابا أي سفت عليه الرياح التراب حتى وارته وغطته ؛ قال :


                                                          هل تعرف الدار بأعلى ذي القور ؟     قد درست غير رماد مكفور


                                                          مكتئب اللون مروح ممطور



                                                          والكفر : ظلمة الليل وسواده ، وقد يكسر ؛ قال حميد :


                                                          فوردت قبل انبلاج الفجر     وابن ذكاء كامن في كفر



                                                          أي فيما يواريه من سواد الليل . وقد كفر الرجل متاعه أي أوعاه في وعاء . والكفر : القير الذي تطلى به السفن لسواده وتغطيته ؛ عن كراع . ابن شميل : القير ثلاثة أضرب : الكفر والزفت والقير ، فالكفر تطلى به السفن ، والزفت يجعل في الزقاق ، والقير يذاب ثم يطلى به السفن . والكافر : الذي كفر درعه بثوب أي غطاه ولبسه فوقه . وكل شيء غطى شيئا ، فقد كفره . وفي الحديث : أن الأوس والخزرج ذكروا ما كان منهم في الجاهلية فثار بعضهم إلى بعض بالسيوف فأنزل الله تعالى : وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ولم يكن ذلك على الكفر بالله ولكن على تغطيتهم ما كانوا عليه من الألفة والمودة . وكفر درعه بثوب وكفرها به ، لبس فوقها ثوبا فغشاها به . ابن السكيت : إذا لبس الرجل فوق درعه ثوبا فهو كافر . وقد كفر فوق درعه ؛ وكل ما غطى شيئا ، فقد كفره . ومنه قيل لليل كافر لأنه ستر بظلمته كل شيء وغطاه . ورجل كافر ومكفر في السلاح داخل فيه . والمكفر : الموثق في الحديد كأنه غطي به وستر . والمتكفر : الداخل في سلاحه . والتكفير أن يتكفر المحارب في سلاحه ؛ ومنه قول الفرزدق :


                                                          هيهات قد سفهت أمية رأيها     فاستجهلت حلماءها سفهاؤها
                                                          حرب تردد بينها بتشاجر     قد كفرت آباؤها أبناؤها



                                                          [ ص: 87 ] رفع أبناؤها بقوله تردد ، ورفع آباؤها بقوله قد كفرت أي كفرت آباؤها في السلاح . وتكفر البعير بحباله إذا وقعت في قوائمه ، وهو من ذلك . والكفارة ما كفر به من صدقة أو صوم أو نحو ذلك ، قال بعضهم كأنه غطي عليه بالكفارة . وتكفير اليمين : فعل ما يجب بالحنث فيها ، والاسم الكفارة . والتكفير في المعاصي : كالإحباط في الثواب . التهذيب : وسميت الكفارات كفارات لأنها تكفر الذنوب أي تسترها مثل كفارة الأيمان وكفارة الظهار والقتل الخطإ ، وقد بينها الله تعالى في كتابه وأمر بها عباده . وأما الحدود فقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ما أدري ألحدود كفارات لأهلها أم لا ؟ وفي حديث قضاء الصلاة : كفارتها أن تصليها إذا ذكرتها وفي رواية : لا كفارة لها إلا ذلك . وتكرر ذكر الكفارة في الحديث اسما وفعلا مفردا وجمعا ، وهي عبارة عن الفعلة والخصلة التي من شأنها أن تكفر الخطيئة أي تمحوها وتسترها ، وهي فعالة للمبالغة ، كقتالة وضرابة من الصفات الغالبة في باب الأسمية ، ومعنى حديث قضاء الصلاة أنه لا يلزمه في تركها غير قضائها من غرم أو صدقة أو غير ذلك ، كما يلزم المفطر في رمضان من غير عذر ، والمحرم إذا ترك شيئا من نسكه فإنه تجب عليه الفدية . وفي الحديث : المؤمن مكفر أي مرزأ في نفسه وماله لتكفر خطاياه . والكفر : العصا القصيرة ، وهي التي تقطع من سعف النخل . ابن الأعرابي : الكفر الخشبة الغليظة القصيرة . والكافور : كم العنب قبل أن ينور . والكفر والكفرى والكفرى والكفرى والكفرى : وعاء طلع النخل ، وهو أيضا الكافور ، ويقال له الكفرى والجفرى . وفي حديث الحسن : هو الطبيع في كفراه ؛ الطبيع لب الطلع وكفراه ، بالضم وتشديد الراء وفتح الفاء وضمها ، هو وعاء الطلع وقشره الأعلى ، وكذلك كافوره ، وقيل هو الطلع حين ينشق ، ويشهد للأول قوله في الحديث قشر الكفرى ، وقيل : وعاء كل شيء من النبات كافوره . قال أبو حنيفة : قال ابن الأعرابي : سمعت أم رباح تقول هذه كفرى وهذا كفرى وكفرى وكفراه وكفراه ، وقد قالوا فيه كافر ، وجمع الكافور كوافير ، وجمع الكافر كوافر ، قال لبيد :


                                                          جعل قصار وعيدان ينوء به     من الكوافر مكموم ومهتصر



                                                          والكافور الطلع . التهذيب : كافور الطلعة وعاؤها الذي ينشق عنها ، سمي كافورا لأنه قد كفرها أي غطاها ، وقول العجاج :


                                                          كالكرم إذ نادى من الكافور



                                                          كافور الكرم : الورق المغطي لما في جوفه من العنقود ، شبهه بكافور الطلع لأنه ينفرج عما فيه أيضا . وفي الحديث : أنه كان اسم كنانة النبي - صلى الله عليه وسلم - الكافور تشبيها بغلاف الطلع وأكمام الفواكه لأنها تسترها وهي فيها كالسهام في الكنانة . والكافور : أخلاط تجمع من الطيب تركب من كافور الطلع ؛ قال ابن دريد : لا أحسب الكافور عربيا لأنهم ربما قالوا القفور والقافور . وقوله عز وجل : إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا قيل : هي عين في الجنة . قال : وكان ينبغي أن لا ينصرف لأنه اسم مؤنث معرفة على أكثر من ثلاثة أحرف لكن إنما صرفه لتعديل رءوس الآي ، وقال ثعلب : إنما أجراه لأنه جعله تشبيها ولو كان اسما للعين لم يصرفه ؛ قال ابن سيده : قوله جعله تشبيها ؛ أراد كان مزاجها مثل كافور . قال الفراء : يقال إنها عين تسمى الكافور ، قال : وقد يكون كان مزاجها كالكافور لطيب ريحه ؛ وقال الزجاج : يجوز في اللغة أن يكون طعم الطيب فيها والكافور ، وجائز أن يمزج بالكافور ولا يكون في ذلك ضرر لأن أهل الجنة لا يمسهم فيها نصب ولا وصب . الليث : الكافور نبات له نور أبيض كنور الأقحوان ، والكافور عين ماء في الجنة طيب الريح ، والكافور من أخلاط الطيب . وفي الصحاح : من الطيب ، والكافور وعاء الطلع ؛ وأما قول الراعي :


                                                          تكسو المفارق واللبات ذا أرج     من قصب معتلف الكافور دراج



                                                          قال الجوهري : الظبي الذي يكون منه المسك إنما يرعى سنبل الطيب فجعله كافورا . ابن سيده : والكافور نبت طيب الريح يشبه بالكافور من النخل . والكافور أيضا : الإغريض ، والكفرى : الكافور الذي هو الإغريض . وقال أبو حنيفة : مما يجري مجرى الصموغ الكافور . والكافر من الأرضين : ما بعد واتسع . وفي التنزيل العزيز : ولا تمسكوا بعصم الكوافر الكوافر النساء الكفرة ، وأراد عقد نكاحهن . والكفر : القرية ، سريانية ، ومنه قيل كفر توتى وكفر عاقب وكفر بيا ، وإنما هي قرى نسبت إلى رجال ، وجمعه كفور . وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال : لتخرجنكم الروم منها كفرا كفرا إلى سنبك من الأرض ، قيل : وما ذلك السنبك ؟ قال : حسمى جذام أي من قرى الشام . قال أبو عبيد : قوله كفرا كفرا يعني قرية قرية ، وأكثر من يتكلم بهذا أهل الشام يسمون القرية الكفر . وروي عن معاوية أنه قال : أهل الكفور هم أهل القبور . قال الأزهري : يعني بالكفور القرى النائية عن الأمصار ومجتمع أهل العلم ، فالجهل عليهم أغلب وهم إلى البدع والأهواء المضلة أسرع ؛ يقول : إنهم بمنزلة الموتى لا يشاهدون الأمصار والجمع والجماعات وما أشبهها . والكفر : القبر ، ومنه قيل : اللهم اغفر لأهل الكفور . ابن الأعرابي : اكتفر فلان أي لزم الكفور . وفي الحديث : لا تسكن الكفور فإن ساكن الكفور كساكن القبور . قال الحربي : الكفور ما بعد من الأرض عن الناس فلا يمر به أحد ؛ وأهل الكفور عند أهل المدن كالأموات عند الأحياء فكأنهم في القبور . وفي الحديث : عرض على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما هو مفتوح على أمته من بعده كفرا كفرا فسر بذلك أي قرية قرية . وقول العرب : كفر على كفر أي بعض على بعض . وأكفر الرجل مطيعه : أحوجه أن يعصيه . التهذيب : إذا ألجأت مطيعك إلى أن يعصيك فقد أكفرته . والتكفير : إيماء الذمي برأسه ، لا يقال : سجد فلان لفلان ولكن كفر له تكفيرا . والكفر : تعظيم الفارسي لملكه . والتكفير لأهل الكتاب : أن يطأطئ أحدهم رأسه لصاحبه كالتسليم عندنا ، وقد كفر له . [ ص: 88 ] والتكفير : ، أن يضع يده أو يديه على صدره ، قال جرير يخاطب الأخطل ويذكر ما فعلت قيس بتغلب في الحروب التي كانت بعدهم :


                                                          إذا سمعت بحرب قيس بعدها     فضعوا السلاح وكفروا تكفيرا



                                                          يقول : ضعوا سلاحكم فلستم قادرين على حرب قيس لعجزكم عن قتالهم ، فكفروا لهم كما يكفر العبد لمولاه ، وكما يكفر العلج للدهقان يضع يده على صدره ويتطامن له واخضعوا وانقادوا . وفي الحديث عن أبي سعيد الخدري رفعه قال : إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر للسان ، تقول : اتق الله فينا فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا . قوله : تكفر للسان أي تذل وتقر بالطاعة له وتخضع لأمره . والتكفير : هو أن ينحني الإنسان ويطأطئ رأسه قريبا من الركوع كما يفعل من يريد تعظيم صاحبه . والتكفير : تتويج الملك بتاج إذا رؤي كفر له . الجوهري : التكفير أن يخضع الإنسان لغيره كما يكفر العلج للدهاقين ، وأنشد بيت جرير . وفي حديث عمرو بن أمية والنجاشي : رأى الحبشة يدخلون من خوخة مكفرين فولاه ظهره ودخل . وفي حديث أبي معشر : أنه كان يكره التكفير في الصلاة ، وهو الانحناء الكثير في حالة القيام قبل الركوع ؛ وقال الشاعر يصف ثورا :


                                                          ملك يلاث برأسه تكفير



                                                          قال ابن سيده : وعندي أن التكفير هنا اسم للتاج سماه بالمصدر أو يكون اسما غير مصدر كالتمتين والتنبيت . والكفر ، بكسر الفاء : العظيم من الجبال ، والجمع كفرات ؛ قال عبد الله بن نمير الثقفي :


                                                          له أرج من مجمر الهند ساطع     تطلع رياه من الكفرات



                                                          والكفر : العقاب من الجبال . قال أبو عمرو : الكفر الثنايا العقاب ، الواحدة كفرة ؛ قال أمية :


                                                          وليس يبقى لوجه الله مختلق     إلا السماء وإلا الأرض والكفر



                                                          ورجل كفرين : داه ، وكفرنى : خامل أحمق . الليث : رجل كفرين عفرين أي عفريت خبيث . التهذيب : وكلمة يلهجون بها لمن يؤمر بأمر فيعمل على غير ما أمر به فيقولون له : مكفور بك يا فلان عنيت وآذيت . وفي نوادر الأعراب : الكافرتان والكافلتان الأليتان .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية