الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8269 ) فصل : ولا ينبغي للقاضي أن يتولى البيع والشراء بنفسه ; لما روى أبو الأسود المالكي ، عن أبيه ، عن جده ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : ما عدل وال اتجر في رعيته أبدا } ولأنه يعرف فيحابى ، فيكون كالهدية ، ولأن [ ص: 119 ] ذلك يشغله عن النظر في أمور الناس .

                                                                                                                                            وقد روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه لما بويع ، أخذ الذراع وقصد السوق ، فقالوا : يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسعك أن تشتغل عن أمور المسلمين . قال : فإني لا أدع عيالي يضيعون . قالوا : فنحن نفرض لك ما يكفيك . ففرضوا له كل يوم درهمين .

                                                                                                                                            فإن باع واشترى ، صح البيع ; لأن البيع تم بشروطه وأركانه . وإن احتاج إلى مباشرته ، ولم يكن له من يكفيه ، جاز ذلك ، ولم يكره ; لأن أبا بكر رضي الله عنه قصد السوق ليتجر فيه ، حتى فرضوا له ما يكفيه ، ولأن القيام بعياله فرض عين ، فلا يتركه لوهم مضرة ، وأما إذا استغنى عن مباشرته ، ووجد من يكفيه ذلك كره له ; لما ذكرنا من المعنيين . وينبغي أن يوكل في ذلك من لا يعرف أنه وكيله ; لئلا يحابى .

                                                                                                                                            وهذا مذهب الشافعي . وحكي عن أبي حنيفة ، أنه قال : لا يكره له البيع والشراء وتوكيل من يعرف ; لما ذكرنا من قضية أبي بكر رضي الله عنه ولنا ، ما ذكرناه . وروي عن شريح ، أنه قال : شرط علي عمر حين ولاني القضاء أن لا أبيع ، ولا أبتاع ، ولا أرتشي ، ولا أقضي وأنا غضبان . وقضية أبي بكر حجة لنا ; فإن الصحابة أنكروا عليه ، فاعتذر بحفظ عياله عن الضياع ، فلما أغنوه عن البيع والشراء بما فرضوا لهم ، قبل قولهم ، وترك التجارة ، فحصل الاتفاق منهم على تركها عند الغنى عنها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية