الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          كفل

                                                          كفل : الكفل ، بالتحريك : العجز ، وقيل : ردف العجز ، وقيل : القطن يكون للإنسان والدابة ، وإنها لعجزاء الكفل ، والجمع أكفال ، ولا يشتق منه فعل ولا صفة . والكفل : من مراكب الرجال ، وهو كساء يؤخذ فيعقد طرفاه ثم يلقى مقدمه على الكاهل ومؤخره مما يلي العجز ، وقيل : هو شيء مستدير يتخذ من خرق أو غير ذلك ويوضع على سنام البعير . وفي حديث أبي رافع قال : ذاك كفل الشيطان يعني مقعده . واكتفل البعير : جعل عليه كفلا . الجوهري : والكفل ما اكتفل به الراكب ، وهو أن يدار الكساء حول سنام البعير ثم يركب . والكفل : كساء يجعل تحت الرحل ؛ قال لبيد :


                                                          وإن أخرت فالكفل ناجز



                                                          وقال أبو ذؤيب :


                                                          على جسرة مرفوعة الذيل والكفل



                                                          وقوله أنشده ابن الأعرابي :


                                                          تعجل شد الأعبل المكافلا



                                                          فسره فقال : واحد المكافل مكتفل ، وهو الكفل من الأكسية . ابن الأنباري في قولهم قد تكفلت بالشيء : معناه قد ألزمته نفسي وأزلت عنه الضيعة والذهاب ، وهو مأخوذ من الكفل ، والكفل : ما يحفظ الراكب من خلفه . والكفل : النصيب مأخوذ من هذا . أبو الدقيش : اكتفلت بكذا إذا وليته كفلك ، قال : وهو الافتعال ؛ وأنشد :


                                                          قد اكتفلت بالحزن واعوج دونها     ضوارب من خفان تجتابه سدرا



                                                          وفي حديث إبراهيم : لا تشرب من ثلمة الإناء ولا عروته فإنها كفل الشيطان ؛ أي مركبه لما يكون من الأوساخ ، كره إبراهيم ذلك . والكفل : أصله المركب فإن آذان العروة والثلمة مركب الشيطان . والكفل من الرجال : الذي يكون في مؤخر الحرب إنما همته في التأخر والفرار . والكفل : الذي لا يثبت على ظهور الخيل ؛ قال الجحاف بن حكيم :


                                                          والتغلبي على الجواد غنيمة     كفل الفروسة دائم الإعصام



                                                          والجمع أكفال ؛ قال الأعشى يمدح قوما :


                                                          غير ميل ولا عواوير في الهي     جا ، ولا عزل ولا أكفال



                                                          والاسم الكفولة ، وهو الكفيل . وفي التهذيب : الكفل الذي لا يثبت على متن الفرس ، وجمعه أكفال ؛ وأنشد :


                                                          ما كنت تلقى في الحروب فوارسي     ميلا إذا ركبوا ، ولا أكفالا



                                                          وهو بين الكفولة . وفي حديث ابن مسعود ذكر فتنة فقال : إني كائن فيها كالكفل آخذ ما أعرف وأترك ما أنكر ؛ قيل : هو الذي يكون في آخر الحرب همته الفرار ؛ وقيل : هو الذي لا يقدر على الركوب والنهوض في شيء فهو لازم بيته . قال أبو منصور : والكفل الذي لا يثبت على ظهر الدابة . والكفل : الحظ والضعف من الأجر والإثم ، وعم به بعضهم ، ويقال له : كفلان من الأجر ، ولا يقال : هذا كفل فلان حتى تكون قد هيأت لغيره مثله كالنصيب ، فإذا أفردت فلا تقل كفل ولا نصيب . والكفل أيضا : المثل . وفي التنزيل : يؤتكم كفلين من رحمته قيل : معناه يؤتكم ضعفين ، وقيل : مثلين ، وفيه : ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها قال الفراء : الكفل الحظ ، وقيل : يؤتكم كفلين أي حظين ، وقيل ضعفين . وفي حديث الجمعة : له كفلان من الأجر الكفل ، بالكسر : الحظ والنصيب . وفي حديث جابر : وعمدنا إلى أعظم كفل . وقال الزجاج : الكفل في اللغة النصيب ، أخذ من قولهم اكتفلت البعير إذا أدرت على سنامه أو على موضع من ظهره كساء وركبت عليه ، وإنما قيل له كفل ؛ وقيل : اكتفل البعير لأنه لم يستعمل الظهر كله إنما استعمل نصيبا من الظهر . وفي حديث مجيء المستضعفين بمكة : وعياش بن أبي ربيعة وسلمة بن هشام متكفلان على بعير . يقال : تكفلت البعير واكتفلته إذا أدرت حول سنامه كساء ثم ركبته ، وذلك الكساء الكفل ، بالكسر . والكافل : العائل ، كفله يكفله وكفله إياه . وفي التنزيل العزيز : ( وكفلها زكريا ) وقد قرئت بالتثقيل ونصب زكريا ، وذكر الأخفش أنه قرئ : وكفلها زكريا ؛ بكسر الفاء . وفي الحديث : أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة له ولغيره والكافل : القائم بأمر اليتيم المربي له ، وهو من الكفيل الضمين ، والضمير في له ولغيره راجع إلى الكافل أي أن اليتيم سواء كان الكافل من ذوي رحمه [ ص: 92 ] وأنسابه أو كان أجنبيا لغيره تكفل به ، وقوله كهاتين إشارة إلى إصبعيه السبابة والوسطى ، ومنه الحديث : الراب كافل الراب : زوج أم اليتيم لأنه يكفل تربيته ويقوم بأمره مع أمه . وفي حديث وفد هوازن : وأنت خير المكفولين ، يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي خير من كفل في صغره وأرضع وربي حتى نشأ ، وكان مسترضعا في بني سعد بن بكر . والكافل والكفيل : الضامن ، والأنثى كفيل أيضا ، وجمع الكافل كفل ، وجمع الكفيل كفلاء ، وقد يقال للجمع كفيل كما قيل في الجمع صديق . وكفلها زكريا أي ضمنها إياه حتى تكفل بحضانتها ، ومن قرأ : وكفلها زكريا ، فالمعنى ضمن القيام بأمرها . وكفل المال وبالمال : ضمنه . وكفل بالرجل يكفل ويكفل كفلا وكفولا وكفالة وكفل وكفل وتكفل به ، كله : ضمنه . وأكفله إياه وكفله : ضمنه ، وكفلت عنه بالمال لغريمه وتكفل بدينه تكفلا . أبو زيد : أكفلت فلانا المال إكفالا إذا ضمنته إياه ، وكفل هو به كفولا وكفلا ، والتكفيل مثله . قال الله تعالى : فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب الزجاج : معناه اجعلني أنا أكفلها وانزل أنت عنها . ابن الأعرابي : كفيل وكافل وضمين وضامن بمعنى واحد ؛ التهذيب : وأما الكافل فهو الذي كفل إنسانا يعوله وينفق عليه . وفي الحديث : الربيب كافل وهو زوج أم اليتيم كأنه كفل نفقة اليتيم . والمكافل : المجاور المحالف ، وهو أيضا المعاقد المعاهد ؛ عن ابن الأعرابي : وأنشد بيت خداش بن زهير :


                                                          إذا ما أصاب الغيث لم يرع غيثهم     من الناس إلا محرم أو مكافل



                                                          المحرم : المسالم ، والمكافل : المعاقد المحالف ، والكفيل من هذا أخذ .

                                                          والكفل والكفيل : المثل ؛ يقال : ما لفلان كفل أي ما له مثل ؛ قال عمرو بن الحارث :


                                                          يعلو بها ظهر البعير ولم     يوجد لها ، في قومها كفل



                                                          كأنه بمعنى مثل . قال الأزهري : والضعف يكون بمعنى المثل . وفي الحديث : أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل : لك كفلان من الأجر أي مثلان . والكفل : النصيب والجزء ؛ يقال : له كفلان أي جزءان ونصيبان . والكافل : الذي لا يأكل ، وقيل : هو الذي يصل الصيام ، والجمع كفل . وكفلت كفلا أي واصلت الصوم ؛ قال القطامي يصف إبلا بقلة الشرب :


                                                          يلذن بأعقار الحياض كأنها     نساء النصارى أصبحت وهي كفل



                                                          قال ابن الأعرابي وحده : هو من الضمان أي قد ضمن الصوم ؛ قال ابن سيده : ولا يعجبني . وذو الكفل : اسم نبي من الأنبياء - صلوات الله عليهم أجمعين - وهو من الكفالة ، سمي ذا الكفل لأنه كفل بمائة ركعة كل يوم فوفى بما كفل ، وقيل : لأنه كان يلبس كساء كالكفل ؛ وقال الزجاج : إن ذا الكفل سمي بهذا الاسم لأنه تكفل بأمر نبي في أمته فقام بما يجب فيهم ، وقيل : تكفل بعمل رجل صالح فقام به .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية