الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة ثمان وعشرين

فمن الحوادث فيها:

فتح قبرس

على يد معاوية ،
غزاها بأمر عثمان . هذا قول الواقدي .

وقال أبو معشر: كان ذلك في سنة تسع وعشرين ، كان عمر بن الخطاب يمنع من الغزو في البحر شفقة بالمسلمين ، واستأذنه معاوية ، فلم يأذن له ، فلما ولي عثمان استأذنه فأذن له ، وقال: من اختار الغزو معك طائعا فاحمله . فغزا قبرس ، فصالح أهلها ، وهو أول من غزا الروم .

أخبرنا أحمد بن علي المجلي قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا الحسين بن صفوان قال: أخبرنا أبو بكر عبد الله بن محمد القريشي قال: حدثنا مجاهد بن موسى قال: حدثنا الوليد بن موسى قال: حدثنا ثور ، عن خالد بن معدان ، عن جبير بن نصر قال: لما افتتح المسلمون قبرس فرق بين أهلها فجعل بعضهم يبكي إلى بعض ، فبكى أبو الدرداء فقال له: ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله ، وأذل الشرك وأهله؟ قال: دعنا منك يا جبير ، ما أهون الخلق على الله إذا تركوا أمره ، بينا هي أمة قاهرة قادرة ، تركوا أمر الله ، فصاروا إلى ما ترى .

وفي رواية أخرى: تركوا أمر الله فسلط الله عليهم السباء ، وإذا سلط [السباء] على القوم فليس له فيهم حاجة . [ ص: 365 ]

وفي هذه السنة: غزا حبيب بن سلمة سورية [من أرض] الروم

وفيها: تزوج عثمان نائلة بنت الفرافصة بن الأحوص العربية . وكانت نصرانية ، فتجنثت قبل أن يدخل بها ، وكانت محلتها سماوة كلب .

قال ابن الكلبي : كل اسم في المغرب فرافصة بضم الفاء ، إلا نائلة بنت الفرافصة ، فإنها بفتح الفاء .

[أخبرنا محمد بن ناصر قال: أخبرنا علي بن أحمد بن البسري ، عن أبي عبد الله بن بطة قال: حدثنا ابن دريد قال: أخبرنا أبو حاتم قال: حدثنا] أبو عبيدة قال: لما تزوج عثمان بن عفان نائلة بنت الفرافصة اهتداها فبعث بها أبوها إليه مع أخيها ضب ، فلما فصلت من السماوة إلى المدينة خرجت من فراق أهلها وبلادها فقالت:


أحقا تراه اليوم يا ضب إنني مصاحبة نحو المدينة أركبا     أما كان في فتيان حصن بن ضمضم
لك الويل ما يغني الخباء المحجبا      [قضى الله حقا أن تموتي غريبة
بيثرب لا تلقين أما ولا أبا

.

قال ابن بطة: وحدثني أبو صالح ، حدثنا أبو الأحوص ، حدثنا نعيم بن حماد ، وحدثنا ابن المبارك ، أخبرنا إسحاق بن طلحة ، عن مولى لطلحة: أن عثمان رضي الله عنه استعمل الوليد بن عقبة على صدقات كليب ، فزوجه نائلة بنت الفرافصة الكلبي ، فلما قدم قال: إني زوجتك نائلة بنت الفرافصة . فقال: زوجتني نصرانية؟ قال: إنها إذا قدمت إليك أسلمت . فلما قدم دخل عليها عثمان بن عفان ، فصلى ركعتين ، ثم قال: يا هذه ، تأتينا أو نأتيك؟ قالت: بل نأتيك ونعمة العين ، فقد تجشمت المسير إليك [ ص: 366 ] من أبعد ما بيني وبينك من البيت ، فقامت حتى جلست إلى عثمان بن عفان ، فقال لها عثمان: إنك لعلك ترين شيبا وتقلبا في السن ، فإن وراء ذلك غلالة من شباب . فقالت:

إن أحب الخلطاء إلي لمن ذهبت عنه ميعة الشباب ، واجتمع حلمه ، ووثق برأيه . فلما خرج قال له الناس: يا أمير المؤمنين ، كيف رأيت أهلك؟ قال: رأيت أوفى عقلا من الداخلة علي .

وفي رواية: أن سعيد بن العاص كان على الكوفة ، فتزوج هند بنت الفرافصة ، فبلغ ذلك عثمان ، فكتب إليه: بلغني أنك تزوجت امرأة ، فاكتب إلي بنسبها وجمالها .

فكتب إليه إن كانت لها أخت فزوجنيها ، فبعث سعيد إلى الفرافصة يخطب إحدى بناته على عثمان ، فأمر الفرافصة ابنه ضبا فزوجها إياه ، وكان ضب مسلما ، والفرافصة نصرانيا ، فلما أرادوا نقلها قال لها أبوها: إنك تقدمين على نساء من نساء قريش ، من أقدر على الطيب منك ، فاحفظي عني خصلتين: تكحلي وتطيبي بالماء حتى تكون ريحك ريح شن أصابه مطر . فلما جملت كربت لكربه ، وحزنت لفراق أهلها ، وأنشدت:


ألست ترى بالله يا ضب أنني     مصاحبة نحو المدينة أركبا
لقد كان في أبناء حصن بن ضمضم     لك الويل ما يغني الخباء المطنبا

فلما قدمت على عثمان وضع عمامته فبدا الصلع ، فقال: لا يهولنك ما ترين من صلعي ، فإن وراءه ما تحبين . فسكتت . فقال: إما أن تقومي إلي وإما أن أقوم إليك .

فقالت: أما ما ذكرت من الصلع فإني من نساء أحب بعولتهن السادة الصلع ، وأما قولك:

إن تقومي أو أقوم ، فوالله لما تجشمت من حسبات السماوة أبعد مما بيني وبينك ، بل أقوم إليك . فقامت ، فجلست إلى جنبه ، فمسح رأسها ودعا لها بالبركة ، ثم قال: اطرحي عنك رداءك . فطرحته ، ثم قال: حلي إزارك . فقالت: ذاك إليك . فحل إزارها ، وكانت من أحظى نسائه عنده .

أخبرنا محمد بن ناصر ، أخبرنا ابن المبارك بن عبد الجبار ، أخبرنا أبو محمد [ ص: 367 ] الجوهري ، أخبرنا أبو عمرو بن حيوة ، أخبرنا أبو بكر محمد بن خلف بن المرزبان قال: أخبرني أحمد بن حرب قال: أخبرني الزبير بن أبي بكر قال: حدثني يحيى بن محمد بن عبد الله بن ثوبان قال: نظرت نائلة بنت الفرافصة ، امرأة عثمان بن عفان رضي الله عنه ، في المرآة ، فأعجبها ثغرها ، فأخذت فهرا فكسرت ثناياها ، وقالت: والله لا يجب لك أحد بعدعثمان وفي هذه السنة: كان فتح إصطخر الأخير .

وفيها: حج بالناس عثمان بن عفان .

التالي السابق


الخدمات العلمية