الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ( ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون ( 38 ) .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ( ويصنع الفلك ) فلما أمره الله تعالى أن يصنع الفلك أقبل نوح عليه السلام على عمل الفلك ولها عن قومه ، وجعل يقطع الخشب ويضرب الحديد ، ويهيئ عدة الفلك من القار وغيره ، وجعل قومه يمرون به وهو في عمله ويسخرون منه ، ويقولون : يا نوح قد صرت نجارا بعد النبوة؟ وأعقم الله أرحام نسائهم فلا يولد لهم ولد .

                                                                                                                                                                                                                                      وزعم أهل التوراة أن الله أمره أن يصنع الفلك من خشب الساج ، وأن يصنعه من أزور ، وأن يطليه بالقار من داخله وخارجه ، وأن يجعل طوله ثمانين ذراعا وعرضه خمسين ذراعا وطوله في السماء ثلاثين ذراعا ، والذراع إلى المنكب ، وأن يجعله ثلاثة أطباق : سفلى ووسطى وعليا ويجعل فيه كوى ، ففعله نوح كما أمره الله عز وجل .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن عباس : اتخذ نوح السفينة في سنتين وكان طول السفينة ثلاثمائة ذراع وعرضها خمسون ذراعا وطولها في السماء ثلاثون ذراعا ، وكانت من خشب الساج وجعل لها ثلاثة بطون ، فحمل في البطن الأسفل الوحوش والسباع والهوام ، وفي البطن الأوسط الدواب والأنعام ، وركب هو ومن معه في البطن [ ص: 175 ] الأعلى مع ما يحتاج إليه من الزاد .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال قتادة : كان بابها في عرضها .

                                                                                                                                                                                                                                      وروي عن الحسن : كان طولها ألفا ومائتي ذراع وعرضها ستمائة ذراع . والمعروف الأول : أن طولها ثلاثمائة ذراع .

                                                                                                                                                                                                                                      وعن زيد بن أسلم قال : مكث نوح عليه السلام مائة سنة يغرس الأشجار ويقطعها ، ومائة سنة يعمل الفلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : غرس الشجر أربعين سنة وجففه أربعين سنة .

                                                                                                                                                                                                                                      وعن كعب الأحبار أن نوحا عمل السفينة في ثلاثين سنة ، وروي أنها كانت ثلاث طبقات ، الطبقة السفلى للدواب والوحوش ، والطبقة الوسطى فيها الإنس ، والطبقة العليا فيها الطير ، فلما كثرت أرواث الدواب أوحى الله إلى نوح أن اغمز ذنب الفيل فغمزه فوقع منه خنزير وخنزيرة ، فأقبلا على الروث ، فلما وقع الفأر بجوف السفينة فجعل يقرضها ويقرض حبالها ، فأوحى الله تعالى إليه أن اضرب بين عيني الأسد فضرب فخرج من منخره سنور وسنورة ، فأقبلا على الفأر .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ( وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه ) كانوا يقولون : إن هذا الذي يزعم أنه نبي قد صار نجارا ، وروي أنهم كانوا يقولون له : يا نوح ماذا تصنع؟ فيقول أصنع بيتا يمشي على الماء ، فيضحكون منه ، ( قال : إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم ) إذا عاينتم عذاب الله ( كما تسخرون ) فإن قيل : كيف تجوز السخرية من النبي؟ قيل : هذا على ازدواج الكلام ، يعني إن تستجهلوني فإني أستجهلكم إذا نزل العذاب بكم . وقيل : معناه إن تسخروا منا فسترون عاقبة سخريتكم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية