الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          كلل

                                                          كلل : الكل : اسم يجمع الأجزاء ، يقال : كلهم منطلق وكلهن منطلقة ومنطلق ، الذكر والأنثى في ذلك سواء ، وحكى سيبويه : كلتهن منطلقة ، وقال : العالم كل العالم ، يريد بذلك التناهي وأنه قد بلغ الغاية فيما يصفه به من الخصال . وقولهم : أخذت كل المال وضربت كل القوم ، فليس الكل هو ما أضيف إليه . قال أبو بكر بن السيرافي : إنما الكل عبارة عن أجزاء الشيء ، فكما جاز أن يضاف الجزء إلى الجملة جاز أن تضاف الأجزاء كلها إليها ، فأما قوله تعالى : وكل أتوه داخرين كل له قانتون فمحمول على المعنى دون اللفظ ، وكأنه إنما حمل عليه هنا لأن كلا فيه غير مضافة ، فلما لم تضف إلى جماعة عوض من ذلك ذكر الجماعة في الخبر ، ألا ترى أنه لو قال : له قانت ، لم يكن فيه لفظ الجمع البتة ، ولما قال سبحانه : وكلهم آتيه يوم القيامة فردا فجاء بلفظ الجماعة مضافا إليها ، استغنى عن ذكر الجماعة في الخبر ؟ الجوهري : كل لفظه واحد ومعناه جمع ، قال : فعلى هذا تقول كل حضر وكل حضروا ، على اللفظ مرة وعلى المعنى أخرى ، وكل وبعض معرفتان ، ولم يجئ عن العرب بالألف واللام ، وهو جائز لأن فيهما معنى الإضافة ، أضفت أو لم تضف . التهذيب : الليث ، ويقال في قولهم كلا الرجلين إن اشتقاقه من كل القوم ، ولكنهم فرقوا بين التثنية والجمع بالتخفيف والتثقيل ، قال أبو منصور وغيره من أهل اللغة : لا تجعل كلا من باب كلا وكلتا واجعل كل واحد منهما على حدة ، قال : وأنا مفسر كلا وكلتا في الثلاثي المعتل ، إن شاء الله تعالى ، قال : وقال أبو الهيثم فيما أفادني عنه المنذري : تقع كل على اسم منكور موحد فتؤدي معنى الجماعة كقولهم : ما كل بيضاء شحمة ولا كل سوداء تمرة ، وتمرة جائز أيضا ، إذا كررت ما في الإضمار . وسئل أحمد بن يحيى عن قوله عز وجل : فسجد الملائكة كلهم أجمعون وعن توكيده بكلهم ثم بأجمعون ، فقال : لما كانت كلهم تحتمل شيئين تكون مرة اسما ومرة توكيدا جاء التوكيد الذي لا يكون إلا توكيدا حسب ؛ وسئل المبرد عنها فقال : لو جاءت فسجد الملائكة احتمل أن يكون سجد بعضهم ، فجاء بقوله كلهم لإحاطة الأجزاء فقيل له : فأجمعون ؟ فقال : لو جاءت كلهم لاحتمل أن يكون سجدوا كلهم في أوقات مختلفات ، فجاءت أجمعون لتدل أن السجود كان منهم كلهم في وقت واحد ، فدخلت كلهم للإحاطة ودخلت أجمعون لسرعة الطاعة . وكل يكل كلا وكلالا وكلالة ؛ الأخيرة عن اللحياني : أعيا . وكللت من المشي أكل كلالا وكلالة أي أعييت ، وكذلك البعير إذا أعيا . وأكل الرجل بعيره أي أعياه . وأكل الرجل أيضا أي كل بعيره . ابن سيده : أكله السير وأكل القوم كلت إبلهم . والكل : قفا السيف والسكين الذي ليس بحاد . وكل السيف والبصر وغيره من الشيء الحديد يكل كلا وكلة وكلالة وكلولة وكلولا وكلل ، فهو كليل وكل : لم يقطع ؛ وأنشد ابن بري في الكلول قول ساعدة :


                                                          لشانيك الضراعة والكلول



                                                          قال : وشاهد الكلة قول الطرماح :


                                                          وذو البث فيه كلة وخشوع



                                                          وفي حديث حنين : فما زلت أرى حدهم كليلا كل السيف : لم يقطع . وطرف كليل إذا لم يحقق المنظور . اللحياني : انكل السيف ذهب حده . وقال بعضهم : كل بصره كلولا نبا ، وأكله البكاء وكذلك اللسان ، وقال اللحياني : كلها سواء في الفعل والمصدر ؛ وقول الأسود بن يعفر :


                                                          بأظفار له حجن طوال     وأنياب به كانت كلالا


                                                          قال ابن سيده : يجوز أن يكون جمع كال كجائع وجياع ونائم ونيام ، وأن يكون جمع كليل كشديد وشداد وحديد وحداد . الليث : الكليل السيف الذي لا حد له . ولسان كليل : ذو كلالة وكلة ، وسيف كليل الحد ، ورجل كليل اللسان ، وكليل الطرف . قال : وناس يجعلون كلاء للبصرة اسما من كل ، على فعلاء ، ولا يصرفونه ، والمعنى أنه موضع تكل فيه الريح عن عملها في غير هذا الموضع . قال رؤبة :


                                                          مشتبه الأعلام لماع الخفق     يكل وفد الريح من حيث انخرق



                                                          والكل : المصيبة تحدث ، الأصل من كل عنه أي نبا وضعف . والكلالة : الرجل الذي لا ولد له ولا والد . وقال الليث : الكل الرجل الذي لا ولد له ولا والد ، كل الرجل يكل كلالة ، وقيل : ما لم يكن من النسب لحا فهو كلالة . وقالوا : هو ابن عم الكلالة ، وابن عم كلالة وكلالة ، وابن عمي كلالة ، وقيل : الكلالة من تكلل نسبه بنسبك كابن العم ومن أشبهه ، وقيل : هم الإخوة للأم وهو المستعمل . وقال اللحياني : الكلالة من العصبة من ورث معه [ ص: 102 ] الإخوة من الأم ، والعرب تقول : لم يرثه كلالة أي لم يرثه عن عرض بل عن قرب واستحقاق ؛ قال الفرزدق :


                                                          ورثتم قناة الملك غير كلالة     عن ابني مناف عبد شمس وهاشم


                                                          ابن الأعرابي : الكلالة بنو العم الأباعد . وحكي عن أعرابي أنه قال : مالي كثير ويرثني كلالة متراخ نسبهم ؛ ويقال : هو مصدر من تكلله النسب أي تطرفه كأنه أخذ طرفيه من جهة الولد والوالد وليس له منهما أحد ، فسمي بالمصدر . وفي التنزيل العزيز : وإن كان رجل يورث كلالة ( الآية ) واختلف أهل العربية في تفسير الكلالة فروى المنذري بسنده عن أبي عبيدة أنه قال : الكلالة كل من لم يرثه ولد أو أب أو أخ ونحو ذلك ؛ قال الأخفش : وقال الفراء الكلالة من القرابة ما خلا الوالد والولد ، سمو كلالة لاستدارتهم بنسب الميت الأقرب فالأقرب ، من تكلله النسب إذا استدار به ، قال : وسمعته مرة يقول : الكلالة من سقط عنه طرفاه ، وهما أبوه وولده ، فصار كلا وكلالة أي عيالا على الأصل ، يقول : سقط من الطرفين فصار عيالا عليهم ؛ قال : كتبته حفظا عنه ؛ قال الأزهري : وحديث جابر يفسر لك الكلالة وأنه الوارث لأنه يقول مرضت مرضا أشفيت منه على الموت فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت : إني رجل ليس يرثني إلا كلالة ، أراد أنه لا والد له ولا ولد ، فذكر الله عز وجل الكلالة في سورة النساء في موضعين ، أحدهما قوله : وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فقوله : يورث من ورث يورث لا من أورث يورث ، ونصب كلالة على الحال ، المعنى أن من مات رجلا أو امرأة في حال تكلله نسب ورثته أي لا والد له ولا ولد وله أخ أو أخت من أم فلكل واحد منهما السدس ، فجعل الميت ها هنا كلالة وهو المورث ، وهو في حديث جابر الوارث : فكل من مات ولا والد له ولا ولد فهو كلالة ورثته ، وكل وارث ليس بوالد للميت ولا ولد له فهو كلالة موروثه ، وهذا مشتق من جهة العربية موافق للتنزيل والسنة ، ويجب على أهل العلم معرفته لئلا يلتبس عليهم ما يحتاجون إليه منه ، والموضع الثاني من كتاب الله تعالى في الكلالة قوله : يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك ( الآية ) فجعل الكلالة هاهنا الأخت للأب والأم ، والإخوة للأب والأم ، فجعل للأخت الواحدة نصف ما ترك الميت ، وللأختين الثلثين ، وللإخوة والأخوات جميع المال بينهم ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، وجعل للأخ والأخت من الأم ، في الآية الأولى الثلث ، لكل واحد منهما السدس ، فبين بسياق الآيتين أن الكلالة تشتمل على الإخوة للأم مرة ، ومرة على الإخوة والأخوات للأب والأم ؛ ودل قول الشاعر أن الأب ليس بكلالة ، وأن سائر الأولياء من العصبة بعد الولد كلالة ؛ وهو قوله :


                                                          فإن أبا المرء أحمى له     ومولى الكلالة لا يغضب



                                                          أراد أن أبا المرء أغضب له إذا ظلم ، وموالي الكلالة ، وهم الإخوة والأعمام وبنو الأعمام وسائر القرابات ، لا يغضبون للمرء غضب الأب . أبو الجراح : إذا لم يكن ابن العم لحا وكان رجلا من العشيرة قالوا : هو ابن عمي الكلالة وابن عم كلالة ؛ قال الأزهري : وهذا يدل على أن العصبة وإن بعدوا كلالة ، فافهمه ؛ قال : وقد فسرت لك من آيتي الكلالة وإعرابهما ما تشتفي به ويزيل اللبس عنك ، فتدبره تجده كذلك ؛ قال : قد ثبج الليث ما فسره من الكلالة في كتابه ولم يبين المراد منه ، وقال ابن بري : أعلم أن الكلالة في الأصل هي مصدر كل الميت يكل كلا وكلالة ، فهو كل إذا لم يخلف ولدا ولا والدا يرثانه ، هذا أصلها ، قال : ثم قد تقع الكلالة على العين دون الحدث ، فتكون اسما للميت الموروث ، وإن كانت في الأصل اسما للحدث على حد قولهم : هذا خلق الله أي مخلوق الله ؛ قال : وجاز أن تكون اسما للوارث على حد قولهم : رجل عدل أي عادل ، وماء غور أي غائر ؛ قال : والأول هو اختيار البصريين من أن الكلالة اسم للموروث ، قال : وعليه جاء في التفسير في الآية : إن الكلالة الذي لم يخلف ولدا ولا والدا ، فإذا جعلتها للميت كان انتصابها في الآية على وجهين : أحدهما أن تكون خبر كان تقديره : وإن كان الموروث كلالة أي كلا ليس له ولد ولا والد ، والوجه الثاني أن يكون انتصابها على الحال من الضمير في يورث أي يورث وهو كلالة ، وتكون كان هي التامة التي ليست مفتقرة إلى خبر ، قال : ولا يصح أن تكون الناقصة كما ذكره الحوفي لأن خبرها لا يكون إلا الكلالة ، ولا فائدة في قوله يورث ، والتقدير إن وقع أو حضر رجل يموت كلالة أي يورث وهو كلالة أي كل ، وإن جعلتها للحدث دون العين جاز انتصابها على ثلاثة أوجه : أحدها أن يكون انتصابها على المصدر على تقدير حذف مضاف تقديره يورث وراثة كلالة كما قال الفرزدق :


                                                          ورثتم قناة الملك لا عن كلالة



                                                          أي : ورثتموها وراثة قرب لا وراثة بعد ؛ وقال عامر بن الطفيل :


                                                          وما سودتني عامر عن كلالة     أبى الله أن أسمو بأم ولا أب !



                                                          ومنه قولهم : هو ابن عم كلالة أي بعيد النسب ، فإذا أرادوا القرب قالوا : هو ابن عم دنية ، والوجه الثاني أن تكون الكلالة مصدرا واقعا موقع الحال على حد قولهم : جاء زيد ركضا أي راكضا ، وهو ابن عمي دنية أي دانيا ، وابن عمي كلالة أي بعيدا في النسب ، والوجه الثالث أن تكون خبر كان على تقدير حذف مضاف ، تقديره وإن كان الموروث ذا كلالة ؛ قال : فهذه خمسة أوجه في نصب الكلالة : أحدها أن تكون خبر كان ، الثاني أن تكون حالا ، الثالث أن تكون مصدرا على تقدير حذف مضاف ، الرابع أن تكون مصدرا في موضع الحال ، الخامس أن تكون خبر كان على تقدير حذف مضاف ، فهذا هو الوجه الذي عليه أهل البصرة والعلماء باللغة ، أعني أن الكلالة اسم للموروث دون الوارث ، قال : وقد أجاز قوم من أهل اللغة وهم أهل الكوفة ، أن تكون الكلالة اسما للوارث ، واحتجوا في ذلك بأشياء منها قراءة الحسن : وإن كان رجل يورث كلالة ، بكسر الراء ، فالكلالة على ظاهر هذه القراءة هي ورثة الميت ، وهم الإخوة للأم ، [ ص: 103 ] واحتجوا أيضا بقول جابر أنه قال : يا رسول الله إنما يرثني كلالة ، وإذا ثبت حجة هذا الوجه كان انتصاب كلالة أيضا على مثل ما انتصبت في الوجه الخامس من الوجه الأول ، وهو أن تكون خبر كان ويقدر حذف مضاف ليكون الثاني هو الأول ، تقديره : وإن كان رجل يورث ذا كلالة ، كما تقول ذا قرابة ليس فيهم ولد ولا والد ، قال : وكذلك إذا جعلته حالا من الضمير في يورث تقديره ذا كلالة ، قال : وذهب ابن جني في قراءة من قرأ يورث كلالة ويورث كلالة أن مفعولي يورث ويورث محذوفان أي يورث وارثه ماله ، قال : فعلى هذا يبقى كلالة على حاله الأولى التي ذكرتها ، فيكون نصبه على خبر كان أو على المصدر ، ويكون الكلالة للموروث لا للوارث ، قال : والظاهر أن الكلالة مصدر يقع على الوارث وعلى الموروث ، والمصدر قد يقع للفاعل تارة وللمفعول أخرى ، والله أعلم ؛ قال ابن الأثير : الأب والابن طرفان للرجل ، فإذا مات ولم يخلفهما فقد مات عن ذهاب طرفيه ، فسمي ذهاب الطرفين كلالة ، وقيل : كل ما احتف بالشيء من جوانبه فهو إكليل ، وبه سميت ؛ لأن الوراث يحيطون به من جوانبه . والكل : اليتيم ؛ قال :


                                                          أكول لمال الكل قبل شبابه     إذا كان عظم الكل غير شديد



                                                          والكل : الذي هو عيال وثقل على صاحبه ؛ قال الله تعالى : وهو كل على مولاه أي : عيال . وأصبح فلان مكلا إذا صار ذوو قرابته كلا عليه أي عيالا . وأصبحت مكلا أي ذا قرابات وهم علي عيال . والكال : المعيي ، وقد كل يكل كلالا وكلالة . والكل : العيل والثقل ، الذكر والأنثى في ذلك سواء ، وربما جمع على الكلول في الرجال والنساء ، كل يكل كلولا . ورجل كل : ثقيل لا خير فيه . ابن الأعرابي : الكل الصنم ، والكل الثقيل الروح من الناس ، والكل اليتيم ، والكل الوكيل . وكل الرجل إذا تعب . وكل إذا توكل ؛ قال الأزهري : الذي أراد ابن الأعرابي بقوله الكل الصنم قوله تعالى : ضرب الله مثلا عبدا مملوكا ضربه مثلا للصنم الذي عبدوه وهو لا يقدر على شيء فهو كل على مولاه لأنه يحمله إذا ظعن ويحوله من مكان إلى مكان ، فقال الله تعالى : هل يستوي هذا الصنم الكل ومن يأمر بالعدل ؟ استفهام معناه التوبيخ كأنه قال : لا تسووا بين الصنم الكل وبين الخالق جل جلاله . قال ابن بري : وقال نفطويه في قوله وهو كل على مولاه : هو أسيد بن أبي العيص وهو الأبكم ، قال : وقال ابن خالويه ورأس الكل رئيس اليهود . الجوهري : الكل العيال والثقل . وفي حديث خديجة : كلا إنك لتحمل الكل ، هو ، بالفتح : الثقل من كل ما يتكلف . والكل : العيال ؛ ومنه الحديث : من ترك كلا فإلي وعلي . وفي حديث طهفة : ولا يوكل كلكم أي : لا يوكل إليكم عيالكم وما لم تطيقوه ، ويروى : أكلكم أي لا يفتات عليكم مالكم . وكلل الرجل : ذهب وترك أهله وعياله بمضيعة . وكلل عن الأمر : أحجم . وكلل عليه بالسيف وكلل السبع : حمل . ابن الأعرابي : والكلة أيضا حال الإنسان ، وهي البكلة ، يقال : بات فلان بكلة سوء أي بحال سوء ، قال : والكلة مصدر قولك سيف كليل بين الكلة . ويقال : ثقل سمعه وكل بصره وذرأ سنه . والمكلل : الجاد ، يقال : حمل وكلل أي مضى قدما ولم يخم ؛ وأنشد الأصمعي :


                                                          حسم عرق الداء عنه فقضب     تكليلة الليث إذا الليث وثب


                                                          قال : وقد يكون كلل بمعنى جبن ، يقال : حمل فما كلل أي فما كذب وما جبن كأنه من الأضداد ؛ وأنشد أبو زيد لجهم بن سبل :


                                                          ولا أكلل عن حرب مجلحة     ولا أخدر للملقين بالسلم



                                                          وروى المنذري عن أبي الهيثم أنه يقال : إن الأسد يهلل ويكلل ، وإن النمر يكلل ولا يهلل ، وقال : والمكلل الذي يحمل فلا يرجع حتى يقع بقرنه ، والمهلل يحمل على قرنه ثم يحجم فيرجع ؛ وقال النابغة الجعدي :


                                                          بكرت تلوم وأمس ما كللتها     ولقد ضللت بذاك أي ضلال



                                                          ما : صلة ، كللتها : أي عصيتها . يقال : كلل فلان فلانا أي لم يطعه . وكللته بالحجارة أي علوته بها ؛ وقال :


                                                          وفرجه بحصى المعزاء مكلول



                                                          والكلة : الصوقعة ، وهي صوفة حمراء في رأس الهودج . وجاء في الحديث : نهى عن تقصيص القبور وتكليلها قيل : التكليل رفعها تبنى مثل الكلل ، وهي الصوامع والقباب التي تبنى على القبور ، وقيل : هو ضرب الكلة عليها وهي ستر مربع يضرب على القبور ، وقال أبو عبيد : الكلة من الستور ما خيط فصار كالبيت ، وأنشد :


                                                          من كل محفوف يظل عصيه     زوج عليه كلة وقرامها



                                                          والكلة : الستر الرقيق يخاط كالبيت يتوقى فيه من البق ، وفي المحكم : الكلة الستر الرقيق ، قال : والكلة غشاء من ثوب رقيق يتوقى به من البعوض . والإكليل : شبه عصابة مزينة بالجواهر ، والجمع أكاليل على القياس ، ويسمى التاج إكليلا . وكلله أي ألبسه الإكليل ؛ فأما قوله ، أنشده ابن جني :


                                                          قد دنا الفصح فالولائد ينظم     ن سراعا أكلة المرجان



                                                          فهذا جمع إكليل ، فلما حذفت الهمزة وبقيت الكاف ساكنة فتحت ، فصارت إلى كليل كدليل فجمع على أكلة كأدلة . وفي حديث عائشة - رضي الله عنها : دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تبرق أكاليل وجهه ؛ هي جمع إكليل ، قال : وهو شبه عصابة مزينة بالجوهر ، فجعلت لوجهه الكريم - صلى الله عليه وسلم - أكاليل على جهة الاستعارة ؛ قال : وقيل أرادت نواحي وجهه وما أحاط به إلى الجبين من التكلل ، وهو الإحاطة ولأن الإكليل يجعل كالحلقة ويوضع هنالك على أعلى الرأس . وفي حديث الاستسقاء : فنظرت إلى المدينة وإنها لفي مثل الإكليل ؛ يريد أن الغيم تقشع عنها واستدار بآفاقها . والإكليل : منزل من منازل القمر وهو أربعة أنجم مصطفة .

                                                          [ ص: 104 ] قال الأزهري : الإكليل رأس برج العقرب ، ورقيب الثريا من الأنواء هو الإكليل ؛ لأنه يطلع بغيوبها . والإكليل : ما أحاط بالظفر من اللحم . وتكلله الشيء : أحاط به . وروضة مكللة : محفوفة بالنور . وغمام مكلل : محفوف بقطع من السحاب كأنه مكلل بهن . وانكل الرجل : ضحك . وانكلت المرأة فهي تنكل انكلالا إذا ما تبسمت ، وأنشد ابن بري لعمر بن أبي ربيعة :


                                                          وتنكل عن عذب شتيت نباته     له أشر كالأقحوان المنور


                                                          وانكل الرجل انكلالا : تبسم ؛ قال الأعشى :


                                                          وينكل عن غر عذاب كأنها     جنى أقحوان ، نبته متناعم



                                                          يقال : كشر وافتر وانكل ، كل ذلك تبدو منه الأسنان . وانكلال الغيم بالبرق : هو قدر ما يريك سواد الغيم من بياضه . وانكل السحاب بالبرق إذا ما تبسم بالبرق . والإكليل : السحاب الذي تراه كأن غشاء ألبسه . وسحاب مكلل أي ملمع بالبرق ، ويقال : هو الذي حوله قطع من السحاب . واكتل الغمام بالبرق أي لمع . وانكل السحاب عن البرق واكتل : تبسم ، الأخيرة عن ابن الأعرابي ؛ وأنشد :


                                                          عرضنا فقلنا إيه سلم فسلمت     كما اكتل بالبرق الغمام اللوائح



                                                          وقول أبي ذؤيب :


                                                          تكلل في الغماد فأرض ليلى     ثلاثا ما أبين له انفراجا


                                                          قيل : تكلل تبسم بالبرق ، وقيل : تنطق واستدار . وانكل البرق نفسه : لمع لمعا خفيفا . أبو عبيد عن أبي عمرو : الغمام المكلل هو السحابة يكون حولها قطع من السحاب فهي مكللة بهن ؛ وأنشد غيره لامرئ القيس :


                                                          أصاح ترى برقا أريك وميضه     كلمع اليدين في حبي مكلل



                                                          وإكليل الملك : نبت يتداوى به . والكلكل والكلكال : الصدر من كل شيء ، وقيل : هو ما بين الترقوتين ، وقيل : هو باطن الزور ، قال :


                                                          أقول إذ خرت على الكلكال



                                                          قال الجوهري : وربما جاء في ضرورة الشعر مشددا ؛ وقال منظور بن مرثد الأسدي :


                                                          كأن مهواها على الكلكل     موضع كفي راهب يصلي


                                                          قال ابن بري : وصوابه موقع كفي راهب ؛ لأن بعد قوله على الكلكل :


                                                          وموقفا من ثفنات زل



                                                          قال : والمعروف الكلكل ، وإنما جاء الكلكال في الشعر ضرورة في قول الراجز :


                                                          قلت وقد خرت على الكلكال     يا ناقتي ما جلت من مجال


                                                          والكلكل من الفرس : ما بين محزمه إلى ما مس الأرض منه إذا ربض ؛ وقد يستعار الكلكل لما ليس بجسم كقول امرئ القيس في صفة ليل :


                                                          فقلت له لما تمطى بجوزه     وأردف أعجازا وناء بكلكل


                                                          وقالت أعرابية ترثي ابنها :


                                                          ألقى عليه الدهر كلكله     من ذا يقوم بكلكل الدهر ؟



                                                          فجعلت للدهر كلكلا ؛ وقوله :


                                                          مشق الهواجر لحمهن مع السرى     حتى ذهبن كلاكلا وصدورا


                                                          وضع الأسماء موضع الظروف كقوله ذهبن قدما وأخرا . ورجل كلكل : ضرب ، وقيل : الكلكل والكلاكل ، بالضم ، القصير الغليظ الشديد ، والأنثى كلكلة وكلاكلة ، والكلاكل الجماعات كالكراكر ؛ وأنشد قول العجاج :


                                                          حتى يحلون الربى الكلاكلا

                                                          الفراء : الكلة التأخير ، والكلة الشفرة الكالة ، والكلة الحال حال الرجل . ويقال : ذئب مكل قد وضع كله على الناس . وذئب كليل : لا يعدو على أحد . وفي حديث عثمان : أنه دخل عليه فقيل له أبأمرك هذا ؟ فقال : كل ذلك أي : بعضه عن أمري وبعضه بغير أمري ؛ قال ابن الأثير : موضع كل الإحاطة بالجميع ، وقد تستعمل في معنى البعض ، قال : وعليه حمل قول عثمان ؛ ومنه قول الراجز :


                                                          قالت له ، وقولها مرعي     إن الشواء خيره الطري


                                                          وكل ذاك يفعل الوصي



                                                          أي : قد يفعل وقد لا يفعل . وقال ابن بري : وكلا حرف ردع وزجر ؛ وقد تأتي بمعنى لا كقول الجعدي :


                                                          فقلنا لهم خلوا النساء لأهلها     فقالوا لنا كلا فقلنا لهم بلى



                                                          فكلا : هنا بمعنى لا بدليل قوله فقلنا لهم بلى ، وبلى لا تأتي إلا بعد نفي ؛ ومثله قوله أيضا :


                                                          قريش جهاز الناس حيا وميتا     فمن قال كلا فالمكذب أكذب


                                                          وعلى هذا يحمل قوله تعالى : فيقول ربي أهانني كلا . وفي الحديث : تقع فتن كأنها الظلل ، فقال أعرابي : كلا يا رسول الله ؛ قال ابن الأثير : كلا ردع في الكلام وتنبيه ومعناها انته لا تفعل ، إلا أنها آكد في النفي والردع من لا ؛ لزيادة الكاف ؛ قال : وقد ترد بمعنى حقا كقوله تعالى : كلا لئن لم تنته لنسفعن بالناصية ، والظلل : السحاب .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية