الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 14 ] 725 - باب بيان مشكل الواجب فيما اختلف فيه أهل العلم في الرجل يشتري السلعة فيفلس ، أو يموت وعليه ديون ، هل يكون بائعها أحق بها من غرمائه أم لا ؟

4600 - حدثنا الحسين بن نصر ، حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا يحيى بن سعيد ، عن أبي بكر بن محمد يعني : ابن عمرو بن حزم أنه أخبره أنه سمع عمر بن عبد العزيز يحدث ، أنه سمع أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام يحدث ، أنه سمع أبا هريرة يحدث ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : من أفلس بمال قوم فوجد رجل متاعه بعينه فهو أحق به .

[ ص: 15 ]

4601 - وحدثنا يونس ، حدثنا ابن وهب أن مالكا أخبره ، عن يحيى بن سعيد ، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن عمر بن عبد العزيز ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : أيما رجل أفلس فأدرك رجل ماله بعينه فهو أحق به من غيره .

[ ص: 16 ]

4602 - وحدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا وهب بن جرير وبشر بن عمر قالا : حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن النضر بن أنس ، عن بشير بن نهيك ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال في الرجل إذا أفلس : فوجد رجل متاعه بعينه ، فهو أحق به ، وفي حديث بشر : من الغرماء .

4603 - وحدثنا إبراهيم ، حدثنا بشر بن عمر ، حدثنا شعبة ، عن يحيى بن سعيد ، عن أبي بكر بن محمد بن حزم ، عن عمر بن عبد العزيز ، عن عبد الرحمن بن الحارث ، قال أبو جعفر : هكذا قال : عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك .

4604 - وحدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرني عبد الرحمن بن خالد القطان ، وإبراهيم بن الحسن المقسمي ، واللفظ له ، قال : حدثنا حجاج بن محمد ، قال : قال ابن جريج ، أخبرنا ابن أبي حسين أن أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، أخبره أن عمر بن عبد العزيز حدثه [ ص: 17 ] عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل يعدم إذا وجد عنده المتاع بعينه وعرفه ، أنه لصاحبه الذي باعه .

قال أبو جعفر : وقد كنا نقول في هذا الحديث : إن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه فوجد رجل ماله بعينه ، أن ذلك قد يحتمل أن يكون أريد به الودائع والعواري ، وأشباههما ، التي ملك واجدها قائم فيها ، ليست الأشياء المبيعات التي ليست لواجدها حينئذ ، وإنما هي أشياء قد كانت له ، فزال ملكه عنها كما يقول أبو حنيفة وأصحابه في ذلك ، وقد كان بعض الناس ممن يذهب في ذلك مذهب مالك ومن تابعه على قوله في ذلك يحتج علينا في ذلك .

4605 - كما قد حدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب أن مالكا أخبره ، عن ابن شهاب ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : أيما رجل باع متاعا فأفلس الذي [ ص: 18 ] ابتاعه ، ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئا فوجده بعينه فهو أحق به ، وإن مات المشتري فصاحب المتاع أسوة الغرماء .

وكنا لا نرى ذلك حجة له علينا في خلافنا إياه الذي ذكرنا لانقطاع هذا الحديث حتى 4606 - حدثنا حامد بن محمد المروزي أبو أحمد ، حدثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة ، عن عبد الرحمن بن بشر بن الحكم النيسابوري ، قال : وكان هذا من علماء نيسابور وثقاتهم ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا مالك ، عن ابن شهاب ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقوي بذلك هذا الحديث [ ص: 19 ] في قلوبنا لما اتصل لنا إسناده ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قد ذكرنا .

وقد كان بعض الناس قبل ذلك احتج علينا في هذا الباب بما .

4607 - حدثنا جعفر بن محمد بن الحسن الفريابي ، حدثنا عبد الله بن عبد الجبار الخبائري ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن موسى بن عقبة ، عن الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : أيما رجل باع سلعة فأدرك سلعته بعينها عند رجل قد أفلس ولم يقبض من ثمنها شيئا ، فهي له ، وإن كان قضاه من ثمنها شيئا فما بقي فهو أسوة الغرماء .

فكنا لا نرى ذلك حجة له علينا لفساد رواية إسماعيل بن عياش ، عن غير الشاميين ، ثم وجدناه من رواية إسماعيل ، عن الشاميين الذين لا يتكلم في رواية إسماعيل عنهم .

4608 - كما حدثنا جعفر بن محمد بن الحسن ، حدثنا عبد الله بن [ ص: 20 ] عبد الجبار ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن الزبيدي ، عن الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكر مثل حديثه الذي قبل هذا ، وزاد فيه : وأيما امرؤ هلك وعنده مال امرئ بعينه اقتضى منه شيئا ، أو لم يقتض ، فهو أسوة الغرماء .

فلم يسع عندنا خلاف هذا الحديث لمن بلغه ووقف عليه من هذه الوجوه المقبولة خلافه ، ورجعنا في هذه المعاني المروية فيه إلى ما كان مالك يقوله فيها ، وعذرنا من خالفها في خلافه إياها ، إنما كان ذلك منه ، لأنها لم تتصل به هذا الاتصال ولو اتصلت به هذا الاتصال وقامت عنده كمثل ما قامت عندنا ، لما خالفها ولرجع إليها وقال بها ، كما قد رأيناه فعل في أمثالها .

وأما الشافعي فقد كان يقول : إذا أفلس بعدما قضى البائع بعض الثمن الذي ابتاع به تلك السلعة أنه يكون في حصة ما قضاه أسوة [ ص: 21 ] الغرماء ، ويكون أحق بالباقي منها منهم ، والذي في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يدفع ذلك ويخالفه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حجة الله على جميع خلقه ، وكان أيضا مع ذلك يسوي بين حكم إفلاسه وبين حكم موته ، فيجعل صاحب السلعة فيهما أحق بها من سائر الغرماء ، وقد فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما ، وجعل الحكم فيهما مختلفا على ما قد ذكرناه في حديث الزبيدي ، عن الزهري ، وفي حديث عبد الرزاق ، عن مالك ، عن الزهري .

وكان الشافعي يحتج فيما ذهب إليه من التسوية في ذلك بين الإفلاس والموت بما قد .

4609 - حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك ، عن ابن أبي ذئب ، قال : حدثني أبو المعتمر بن عمرو بن رافع ، عن ابن خلدة الزرقي ، وكان قاضيا أنه قال : جئنا إلى أبي هريرة في صاحب لنا أفلس ، فقال : هذا الذي قضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيما رجل مات أو أفلس ، فصاحب المتاع أحق بمتاعه .

[ ص: 22 ]

4610 - وبما قد حدثنا يونس ، حدثني محمد بن إدريس حين ذاكرته مسألة الذي يبيع السلعة ثم يموت أو يفلس ، فيجد الرجل سلعته بعينها ، فقال لي : هو أحق بها في الموت والتفليس ، ثم قال : حدثني ابن أبي فديك ، قال : أخبرني ابن أبي ذئب ، ثم ذكر مثل حديث محمد ، عن ابن أبي فديك .

قال أبو جعفر : وهذا الحديث إنما رجع إلى أبي المعتمر الذي لا يعرف ولا يدرى من هو ، ولا سمعنا له ذكرا إلا في هذا الحديث ، ومن هذه سبيله فليس ممن يجوز أن يحتج به في هذا المعنى ، مع أنه لو كان ثابتا لكان حديث الزهري ، عن أبي بكر ، عن أبي هريرة أولى منه ، لأنه قد روته الأئمة الذين تقوم الحجة برواياتهم ، والذين لا يجب أن يعارض ما رووا بمثل ما روى أبو المعتمر الذي لا يعرف [ ص: 23 ] ولا يدرى من هو ، ولو تدبر حديث أبي المعتمر لوقف على أن لا حجة فيه ، لأن فيه : أيما رجل أفلس أو مات ، فقد يحتمل أن يكون ذلك على الشك ، فيعود الحديث إلى أن لا يدرى ما فيه مما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، هل هو في التفليس أو في الموت ، وما وجدنا أحدا من أهل العلم أخذ بكل ما في هذا الحديث ، إلا مالك بن أنس ، فأما من سواه فقد ذكرنا أقوالهم في هذا الباب ، ونسأل الله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية