الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8306 ) فصل : فإن كان بينهما ثياب ، أو حيوان ، أو أوان ، أو خشب ، أو عمد ، أو أحجار ، فاتفقا على قسمتها ، جاز ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قسم الغنائم يوم بدر ، ويوم خيبر ، وهي تشتمل على أجناس من المال ، وسواء اتفقا على قسمة كل جنس بينهما ، أو على قسمتها أعيانا بالقيمة . وإن طلب أحدهما قسمة كل نوع على حدته ، وطلب الآخر قسمته أعيانا بالقيمة ، قدم قول من طلب قسمة كل نوع على حدته ، إذا أمكن . وإن طلب أحدهما القسمة ، وأبى الآخر ، وكان مما لا يمكن قسمته إلا بأخذ عوض عنه من غير جنسه ، أو قطع ثوب في قطعه نقص ، أو كسر إناء ، أو رد عوض ، لم يجبر الممتنع .

                                                                                                                                            وإن أمكن قسمة كل نوع على حدته ، من غير ضرر ، ولا رد عوض ، فقال القاضي : يجبر الممتنع .

                                                                                                                                            وهو ظاهر مذهب الشافعي ، وهو قول أبي الخطاب : لا أعرف في هذا عن إمامنا رواية ، ويحتمل أن لا يجبر الممتنع . وهو قول ابن خيران ، من أصحاب الشافعي ; لأن هذا إنما يقسم أعيانا بالقيمة ، فلم يجبر الممتنع عليه ، كما لا يجبر على قسمة الدور ، بأن يأخذ هذا دارا وهذا دارا وهذا دارا ، وكالجنسين المختلفين .

                                                                                                                                            ووجه الأول ، أن الجنس الواحد كالدار الواحدة ، وليس اختلاف الجنس الواحد في القيمة بأكثر من اختلاف قيمة الدار الكبيرة والقرية العظيمة ، فإن أرض القرية تختلف ، سيما إذا كانت ذات أشجار مختلفة ، وأراض متنوعة ، والدار ذات بيوت واسعة وضيقة ، وحديثة وقديمة ، ثم هذا الاختلاف لم يمنع الإجبار على القسمة ، كذلك الجنس الواحد ، وفارق الدور ; فإنه أمكن قسمة كل دار على حدتها ، وها هنا لا يمكن قسمة كل ثوب منها أو إناء على حدته ، وإن كانت الثياب أنواعا ; كالحرير ، والقطن ، والكتان ، فهي كالأجناس ، وكذلك سائر الأموال . والحيوان كغيره من الأموال ، ويقسم النوع الواحد منه . وبه قال الشافعي ، وأبو يوسف ومحمد .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : لا يقسم الرقيق قسمة إجبار ; لأنه تختلف منافعه ، ويقصد منه العقل والدين والفطنة ، وذلك لا يقع فيه التعديل .

                                                                                                                                            ولنا ، أن النبي صلى الله عليه وسلم جزأ العبيد الذين أعتقهم الأنصاري في مرضه ثلاثة أجزاء . ولأنه نوع حيوان يدخله التقويم ، فجازت قسمته ، كسائر الحيوان ، وما ذكره غير صحيح ; لأن القيمة تجمع ذلك ، وتعد له كسائر الأشياء المختلفة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية