الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 24 ] 726 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلاقه حفصة ، وفي مراجعته إياها بعد ذلك .

4611 - حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، حدثنا إسماعيل بن الخليل الكوفي ، وحدثنا أحمد بن داود ، حدثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي ، حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، قال ابن أبي داود : أخبرني صالح بن صالح ، وقال أحمد في حديثه ، عن صالح بن صالح ، عن سلمة بن كهيل ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ، ثم راجعها .

[ ص: 25 ]

4612 - وحدثنا أبو أمية ، حدثنا محمد بن الصلت ، حدثنا يحيى بن زكريا ، ثم ذكر بإسناده مثله .

4613 - وحدثنا أبو أمية ، حدثنا إسماعيل بن الخليل الخزاز ، حدثنا يونس بن بكير ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن ابن عمر ، قال : دخل عمر على حفصة أختي وهي تبكي ، فقال : ما لك لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم طلقك ، أما إنه قد كان طلقك مرة ، ثم راجعك من أجلي .

قال أبو جعفر : وصالح بن صالح هذا هو ابن صالح بن حي الذي يروي عن الشعبي ، أبو علي ، والحسن بن صالح ، فدل هذا على أنه قد كان له بنون ثلاثة ، أخذ عنهم العلم ، وهم : علي ، والحسن ، [ ص: 26 ] وصالح . فأما علي والحسن فولدا في بطن واحد .

كما حدثني عبد الرحمن بن القاسم القطان الكوفي أبو محمد ، قال : حدثني جعفر بن محمد رجل من الكوفة ، قال : حدثني جدي ، قال : قال صالح بن حي : قلت للشعبي : إنه ولد لي في هذه الليلة ابنان ، فقال : وما سميتهما ، قلت : سميت أحدهما عليا والآخر حسنا ، فقال لي : قد أحسنت ، بارك الله لك فيهما ، وأعلى عليا وحسن حسنا .

ومما يقوي هذا أن البخاري ذكر في كتابه ، فقال : وعبد الله بن صالح بن صالح بن حي الهمداني سمع من عبثر بن القاسم ، سمع منه عمرو الناقد .

قال أبو جعفر : فأما علي وحسن ، فلا عقب لهما ، ووفاتهما متقدمة كما سمعت أبا زرعة الدمشقي يقول : توفي علي بن صالح ومسعر بن كدام في سنة خمس وخمسين ومائة ، وتوفي الحسن بن صالح سنة سبع وستين ومائة .

4614 - وحدثنا يحيى بن عثمان بن صالح ، قال : حدثنا حرملة بن يحيى ، حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن صالح ، عن موسى بن علي ، عن أبيه ، عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة فأتاه جبريل [ ص: 27 ] فقال : راجعها فإنها صوامة قوامة .

قال أبو جعفر : وعمرو بن صالح هذا رجل من أهل مصر ممن كان يسكن الحمراء ، تعرف ببطن الدير .

4615 - وحدثنا محمد بن إبراهيم بن يحيى بن جناد ، حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا الحسن بن أبي جعفر ، حدثنا ثابت ، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة تطليقة فأتاه جبريل ، فقال : يا محمد طلقت حفصة تطليقة ، وهي صوامة قوامة ، وهي زوجتك في الدنيا وفي الجنة .

[ ص: 28 ] فقال قائل : وكيف تقبلون مثل هذا ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يطلق زوجة من أزواجه هي زوجته في الدنيا وفي الجنة ، وقد كان الله عز وجل خير أزواج نبيه ، وهي منهن بين الدنيا والآخرة ، فاخترن الله ورسوله على الدنيا ، فشكر الله ذلك لهن واحتبسه عليهن واحتبسهن عليه ، حتى جعل لهن أن يكن بعد موته كما كن في حياته ، لأنهن محبوسات عليه ومحرمات على من سواه من الناس .

[ ص: 29 ] فكان جوابنا له في ذلك : أنه وإن كان صلى الله عليه وسلم قد طلقها فلم يخرجها بذلك من أزواجه المستحقات في الدنيا والآخرة ما استحقته من لم يطلقها من أزواجه ، وإنما كان طلاقه لها طلاقا لم يقطع السبب الذي بينه وبينها ، لأنه كان طلاقا رجعيا ، ثم كان بحمد الله ونعمته منه فيها ما كان من مراجعته إياها إلى ما كانت عليه قبل طلاقه إياها رضي الله عنها .

فإن قال هذا القائل : فلو انقضت عدتها ولم يراجعها ، أكانت بذلك تخرج من جملة أمهات المؤمنين حتى لا تكون أما لهم كما كانت قبل ذلك .

كان جوابنا له في ذلك : أن ذلك لو كان لما خرجت من جملة أمهات المؤمنين ولكانت بعده أما لهم ، وأن حرمتها عليهم كحرمتها عليهم قبل ذلك ، وأنها زوجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة ، كما لا يخرجها الموت من ذلك لو كان مات عنها وهي بعد موته تستحق النفقة عليها مما كان ينفق عليها منه في حياته ، لأنها محبوسة عليه بعد موته ، كما كانت محبوسة عليه في حياته ، وفيما ذكرنا بيان لما قد توهمه هذا القائل ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية