nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=109nindex.php?page=treesubj&link=28976_30355يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طائرا بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين .
[ ص: 98 ] جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=109يوم يجمع الله الرسل استئناف ابتدائي متصل بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=85فأثابهم الله بما قالوا إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=85وذلك جزاء المحسنين . وما بينهما جمل معترضة نشأ بعضها عن بعض ، فعاد الكلام الآن إلى أحوال الذين اتبعوا
عيسى عليه السلام ، فبدل كثير منهم تبديلا بلغ بهم إلى الكفر ومضاهاة المشركين ، للتذكير بهول عظيم من أهوال يوم القيامة تكون فيه شهادة الرسل على الأمم وبراءتهم مما أحدثه أممهم بعدهم في الدين مما لم يأذن به الله ، والتخلص من ذلك إلى شهادة
عيسى على النصارى بأنه لم يأمرهم بتأليهه وعبادته . وهذا متصل في الغرض بما تقدم من قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=82ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى . فإن في تلك الآيات ترغيبا وترهيبا ، وإبعادا وتقريبا ، وقع الانتقال منها إلى أحكام تشريعية ناسبت ما ابتدعه اليهود والنصارى ، وذلك من قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=87يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم . . . وتفنن الانتقال إلى هذا المبلغ ، فهذا عود إلى بيان تمام نهوض الحجة على النصارى في مشهد يوم القيامة . ولقد جاء هذا مناسبا للتذكير العام بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=108واتقوا الله واسمعوا والله لا يهدي القوم الفاسقين . ولمناسبة هذا المقام التزم وصف
عيسى بابن مريم كلما تكرر ذكره في هذه الآيات أربع مرات تعريضا بإبطال دعوى أنه ابن لله تعالى .
ولأنه لما تم الكلام على الاستشهاد على وصايا المخلوقين ناسب الانتقال إلى شهادة الرسل على وصايا الخالق تعالى ، فإن الأديان وصايا الله إلى خلقه . قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=13شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى . وقد سماهم الله تعالى شهداء في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=41فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا .
فقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=109يوم يجمع ) ظرف ، والأظهر أنه معمول لعامل محذوف يقدر بنحو : اذكر يوم يجمع الله الرسل ، أو يقدر له عامل يكون بمنزلة الجواب للظرف ، لأن الظرف إذا تقدم يعامل معاملة الشرط في إعطائه جوابا . وقد حذف هذا العامل لتذهب نفس السامع كل مذهب ممكن من التهويل ، تقديره يوم يجمع الله الرسل يكون هول عظيم لا يبلغه طول التعبير فينبغي طيه . ويجوز أن يكون متعلقا بفعل
[ ص: 99 ] nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=109قالوا لا علم لنا إلخ ، أي أن ذلك الفعل هو المقصود من الجملة المستأنفة . وأصل نظم الكلام : يجمع الله الرسل يوم القيامة فيقول إلخ . فغير نظم الكلام إلى الأسلوب الذي وقع في الآية للاهتمام بالخبر ، فيفتتح بهذا الظرف المهول وليورد الاستشهاد في صورة المقاولة بين الله والرسل . والمقصود من الكلام هو ما يأتي بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس وما بينهما اعتراض .
ومن البعيد أن يكون الظرف متعلقا بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=108لا يهدي القوم الفاسقين لأنه لا جدوى في نفي الهداية في يوم القيامة ، ولأن جزالة الكلام تناسب استئنافه ، ولأن تعلقه به غير واسع المعنى .
ومثله قول
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : إنه متعلق بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=108واتقوا الله على أن ( يوم ) مفعول لأجله ، وقيل : بدل اشتمال من اسم الجلالة في قوله واتقوا الله لأن جمع الرسل مما يشتمل عليه شأن الله ، فالاستفهام في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=109ماذا أجبتم مستعمل في الاستشهاد . ينتقل منه إلى لازمه ، وهو توبيخ الذين كذبوا الرسل في حياتهم أو بدلوا وارتدوا بعد مماتهم .
وظاهر حقيقة الإجابة أن المعنى : ماذا أجابكم الأقوام الذين أرسلتم إليهم ، أي ماذا تلقوا به دعواتكم ، حملا على ما هو بمعناه في نحو قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=56فما كان جواب قومه . ويحمل قول الرسل لا علم لنا على معنى لا علم لنا بما يضمرون حين أجابوا فأنت أعلم به منا . أو هو تأدب مع الله تعالى لأن ما عدا ذلك مما أجابت به الأمم يعلمه رسلهم; فلا بد من تأويل نفي الرسل العلم عن أنفسهم وتفويضهم إلى علم الله تعالى بهذا المعنى . فأجمع الرسل في الجواب على تفويض العلم إلى الله ، أي أن علمك سبحانك أعلى من كل علم وشهادتك أعدل من كل شهادة ، فكان جواب الرسل متضمنا أمورا : أحدها الشهادة على الكافرين من أممهم بأن ما عاملهم الله به هو الحق . والثاني تسفيه أولئك الكافرين في إنكارهم الذي لا يجديهم . والثالث تذكير أممهم بما عاملوا به رسلهم لأن في قولهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=109إنك أنت علام الغيوب ، تعميما للتذكير بكل ما صدر من أممهم من تكذيب وأذى وعناد . ويقال لمن يسأل عن شيء لا أزيدك علما بذلك ، أو أنت تعرف ما جرى .
[ ص: 100 ] وإيراد الضمير المنفصل بعد الضمير المتصل لزيادة تقرير الخبر وتأكيده .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري تأويل قول الرسل لا علم لنا بأنهم نفوا أن يكونوا يعلمون ما كان من آخر الأمم بعد موت رسلهم من دوام على إقامة الشرائع أو التفريط فيها وتبديلها فيكون قول الرسل لا علم لنا محمولا على حقيقته ويكون محمل ( ماذا ) على قوله ماذا أجبتم هو ما أجابوا به من تصديق وتكذيب ومن دوام المصدقين على تصديقهم أو نقص ذلك ، ويعضد هذا التأويل ما جاء بعد هذا الكلام من قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ، وقول
عيسى عليه السلام
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=117وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم الآية فإن المحاورة مع
عيسى بعض من المحاورة مع بقية الرسل . وهو تأويل حسن .
وعبر في جواب الرسل بـ ( قالوا ) المفيد للمضي مع أن الجواب لم يقع ، للدلالة على تحقيق أن سيقع حتى صار المستقبل من قوة التحقق بمنزلة الماضي في التحقق . على أن القول الذي تحكى به المحاورات لا يلتزم فيه مراعاة صيغته لزمان وقوعه لأن زمان الوقوع يكون قد تعين بقرينة سياق المحاورة .
وقرأ الجمهور الغيوب بضم الغين . وقرأ
حمزة ، وأبو بكر عن
عاصم بكسر الغين وهي لغة لدفع ثقل الانتقال من الضمة إلى الباء ، كما تقدم في بيوت في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=15فأمسكوهن في البيوت من سورة النساء .
وفصل ( قالوا ) جريا على طريقة حكاية المحاورات ، كما تقدم في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة في سورة البقرة .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110إذ قال الله يا عيسى ابن مريم ظرف ، هو بدل من
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=109يوم يجمع الله الرسل بدل اشتمال ، فإن يوم الجمع مشتمل على زمن هذا الخطاب
لعيسى ، ولذلك لم تعطف هذه الجملة على التي قبلها . والمقصود من ذكر ما يقال
لعيسى يومئذ هو تقريع اليهود والنصارى الذين ضلوا في شأن
عيسى بين طرفي إفراط بغض وإفراط حب .
فقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110اذكر نعمتي عليك إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=115لا أعذبه أحدا من العالمين استئناس
[ ص: 101 ] لعيسى لئلا يفزعه السؤال الوارد بعده بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116أأنت قلت للناس إلخ . . . وهذا تقريع لليهود ، وما بعدها تقريع للنصارى . والمراد من
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110اذكر نعمتي الذكر بضم الذال وهو استحضار الأمر في الذهن . والأمر في قوله اذكر للامتنان ، إذ ليس
عيسى بناس لنعم الله عليه وعلى والدته . ومن لازمه خزي اليهود الذين زعموا أنه ساحر مفسد إذ ليس السحر والفساد بنعمة يعدها الله على عبده . ووجه ذكر والدته هنا الزيادة من تبكيت اليهود وكمدهم لأنهم تنقصوها بأقذع مما تنقصوه .
والظرف في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110إذ أيدتك بروح القدس متعلق بـ ( نعمتي ) لما فيها من معنى المصدر ، أي النعمة الحاصلة في ذلك الوقت ، وهو وقت التأييد بروح القدس . وروح القدس هنا
جبريل على الأظهر .
والتأييد وروح القدس تقدما في سورة البقرة عند قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=87وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس .
وجملة ( تكلم ) حال من الضمير المنصوب بـ ( أيدتك ) وذلك أن الله ألقى الكلام من الملك على لسان عيسى وهو في المهد ، وفي ذلك تأييد له لإثبات نزاهة تكونه ، وفي ذلك نعمة عليه ، وعلى والدته إذ ثبتت براءتها مما اتهمت به .
والجار والمجرور في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110في المهد حال من ضمير ( تكلم ) . ( و كهلا ) معطوف على في المهد لأنه حال أيضا ، كقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=12دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما . والمهد والكهل تقدما في تفسير سورة آل عمران . وتكليمه كهلا أريد به الدعوة إلى الدين فهو من التأييد بروح القدس ، لأنه الذي يلقي إلى عيسى ما يأمره الله بتبليغه .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل تقدم القول في نظيره في سورة آل عمران ، وكذلك قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110وإذ تخلق من الطين إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110وإذ تخرج الموتى بإذني تقدم القول في نظيره هنالك .
إلا أنه قال هنا
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110فتنفخ فيها وقال في سورة آل عمران فأنفخ فيه . فعن
nindex.php?page=showalam&ids=17141مكي بن أبي طالب أن الضمير في سورة آل عمران عاد إلى الطير ، والضمير في هذه السورة
[ ص: 102 ] عاد إلى الهيئة واختار
ابن عطية أن يكون الضمير هنا عائدا إلى ما تقتضيه الآية ضرورة . أي بدلالة الاقتضاء . وذلك أن قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير يقتضي صورا أو أجساما أو أشكالا ، وكذلك الضمير المذكر في سورة آل عمران يعود على المخلوق الذي يقتضيه ( أخلق ) . وجعله في الكشاف عائدا إلى الكاف باعتبار كونها صفة للفظ هيئة المحذوف الدال عليه لفظ هيئة المدخول للكاف وكل ذلك ناظرا إلى أن الهيئة لا تصلح لأن تكون متعلق ( تنفخ ) ، إذ الهيئة معنى لا ينفخ فيها ولا تكون طائرا .
وقرأ
نافع وحده
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110فتكون طائرا بالإفراد كما قرأ في سورة آل عمران . وتوجيهها هنا أن الضمير جرى على التأنيث فتعين أن يكون المراد وإذ تخلق ، أي تقدر هيئة كهيئة الطير فتكون الهيئة طائرا ، أي كل هيئة تقدرها تكون واحدا من الطير .
وقرأ البقية (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110طيرا ) بصيغة اسم الجمع باعتبار تعدد ما يقدره من هيئات كهيئة الطير .
وقال هنا
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110وإذ تخرج الموتى ولم يقل : وتحي الموتى ، كما قال في سورة آل عمران ، أي تخرجهم من قبورهم أحياء ، فأطلق الإخراج وأريد به لازمه وهو الإحياء ، لأن الميت وضع في القبر لأجل كونه ميتا فكان إخراجه من القبر ملزوما لانعكاس السبب الذي لأجله وضع في القبر . وقد سمى الله الإحياء خروجا في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=11وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=67أئذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا لمخرجون .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110وإذ كففت بني إسرائيل عنك عطف على إذ أيدتك ، وما عطف عليه . وهذا من أعظم النعم ، وهي نعمة العصمة من الإهانة ، فقد كف الله عنه
بني إسرائيل سنين ، وهو يدعو إلى الدين بين ظهرانيهم مع حقدهم وقلة أنصاره ، فصرفهم الله عن ضره حتى أدى الرسالة ، ثم لما استفاقوا وأجمعوا أمرهم على قتله عصمه الله منهم فرفعه إليه ولم يظفروا به ، وماتت نفوسهم بغيظها . وقد دل على جميع هذه المدة الظرف في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110إذ جئتهم بالبينات فإن تلك المدة كلها مدة ظهور معجزاته
[ ص: 103 ] بينهم . وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110فقال الذين كفروا منهم تخلص من تنهية تقريع مكذبيه إلى كرامة المصدقين به .
واقتصر من دعاوي تكذيبهم إياه على قولهم
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110إن هذا إلا سحر مبين ، لأن ذلك الادعاء قصدوا به التوسل إلى قتله ، لأن حكم الساحر في شريعة اليهود القتل إذ السحر عندهم كفر ، إذ كان من صناعة عبدة الأصنام ، فقد قرنت التوراة السحر وعرافة الجان بالشرك ، كما جاء في سفر اللاوييين في الإصحاح العشرين .
وقرأ الجمهور (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110إن هذا إلا سحر ) ، والإشارة بـ هذا إلى مجموع ما شاهدوه من البينات . وقرأ
حمزة ، nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ، وخلف ( إلا ساحر ) . والإشارة إلى
عيسى المفهوم من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110إذ جئتهم بالبينات . ولا شك أن اليهود قالوا
لعيسى كلتا المقالتين على التفريق أو على اختلاف جماعات القائلين وأوقات القول .
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=109nindex.php?page=treesubj&link=28976_30355يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَائِرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ .
[ ص: 98 ] جُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=109يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=85فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=85وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ . وَمَا بَيْنَهُمَا جُمَلٌ مُعْتَرِضَةٌ نَشَأَ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ ، فَعَادَ الْكَلَامُ الْآنَ إِلَى أَحْوَالِ الَّذِينَ اتَّبَعُوا
عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَبَدَّلَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ تَبْدِيلًا بَلَغَ بِهِمْ إِلَى الْكُفْرِ وَمُضَاهَاةِ الْمُشْرِكِينَ ، لِلتَّذْكِيرِ بِهَوْلٍ عَظِيمٍ مِنْ أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ تَكُونُ فِيهِ شَهَادَةُ الرُّسُلِ عَلَى الْأُمَمِ وَبَرَاءَتُهُمْ مِمَّا أَحْدَثَهُ أُمَمُهُمْ بُعْدَهُمْ فِي الدِّينِ مِمَّا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ، وَالتَّخَلُّصُ مِنْ ذَلِكَ إِلَى شَهَادَةِ
عِيسَى عَلَى النَّصَارَى بِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِتَأْلِيهِهِ وَعِبَادَتِهِ . وَهَذَا مُتَّصِلٌ فِي الْغَرَضِ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=82وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى . فَإِنَّ فِي تِلْكَ الْآيَاتِ تَرْغِيبًا وَتَرْهِيبًا ، وَإِبْعَادًا وَتَقْرِيبًا ، وَقَعَ الِانْتِقَالُ مِنْهَا إِلَى أَحْكَامٍ تَشْرِيعِيَّةٍ نَاسَبَتْ مَا ابْتَدَعَهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ، وَذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=87يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ . . . وَتَفَنُّنُ الِانْتِقَالِ إِلَى هَذَا الْمَبْلَغِ ، فَهَذَا عَوْدٌ إِلَى بَيَانِ تَمَامِ نُهُوضِ الْحُجَّةِ عَلَى النَّصَارَى فِي مَشْهَدِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ . وَلَقَدْ جَاءَ هَذَا مُنَاسِبًا لِلتَّذْكِيرِ الْعَامِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=108وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ . وَلِمُنَاسَبَةِ هَذَا الْمَقَامِ الْتَزَمَ وَصْفَ
عِيسَى بِابْنِ مَرْيَمَ كُلَّمَا تَكَرَّرَ ذِكْرُهُ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ أَرْبَعُ مَرَّاتٍ تَعْرِيضًا بِإِبْطَالِ دَعْوَى أَنَّهُ ابْنٌ لِلَّهِ تَعَالَى .
وَلِأَنَّهُ لَمَّا تَمَّ الْكَلَامُ عَلَى الِاسْتِشْهَادِ عَلَى وَصَايَا الْمَخْلُوقِينَ نَاسَبَ الِانْتِقَالَ إِلَى شَهَادَةِ الرُّسُلِ عَلَى وَصَايَا الْخَالِقِ تَعَالَى ، فَإِنَّ الْأَدْيَانَ وَصَايَا اللَّهِ إِلَى خَلْقِهِ . قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=13شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى . وَقَدْ سَمَّاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى شُهَدَاءً فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=41فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا .
فَقَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=109يَوْمَ يَجْمَعُ ) ظَرْفٌ ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مَعْمُولٌ لِعَامِلٍ مَحْذُوفٍ يُقَدَّرُ بِنَحْوِ : اذْكُرْ يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ ، أَوْ يُقَدَّرُ لَهُ عَامِلٌ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْجَوَابِ لِلظَّرْفِ ، لِأَنَّ الظَّرْفَ إِذَا تَقَدَّمَ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الشَّرْطِ فِي إِعْطَائِهِ جَوَابًا . وَقَدْ حُذِفَ هَذَا الْعَامِلُ لِتَذْهَبَ نَفْسُ السَّامِعِ كُلَّ مَذْهَبٍ مُمْكِنٍ مِنَ التَّهْوِيلِ ، تَقْدِيرُهُ يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ يَكُونُ هَوْلٌ عَظِيمٌ لَا يَبْلُغُهُ طُولُ التَّعْبِيرِ فَيَنْبَغِي طَيُّهُ . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِفِعْلِ
[ ص: 99 ] nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=109قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِلَخْ ، أَيْ أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْجُمْلَةِ الْمُسْتَأْنَفَةِ . وَأَصْلُ نَظْمِ الْكَلَامِ : يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ إِلَخْ . فَغَيَّرَ نَظْمَ الْكَلَامِ إِلَى الْأُسْلُوبِ الَّذِي وَقَعَ فِي الْآيَةِ لِلِاهْتِمَامِ بِالْخَبَرِ ، فَيَفْتَتِحُ بِهَذَا الظَّرْفِ الْمَهُولِ وَلِيُورِدَ الِاسْتِشْهَادَ فِي صُورَةِ الْمُقَاوَلَةِ بَيْنَ اللَّهِ وَالرُّسُلِ . وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْكَلَامِ هُوَ مَا يَأْتِي بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ .
وَمِنَ الْبَعِيدِ أَنْ يَكُونَ الظَّرْفُ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=108لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ لِأَنَّهُ لَا جَدْوَى فِي نَفْيِ الْهِدَايَةِ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَلِأَنَّ جَزَالَةَ الْكَلَامِ تُنَاسِبُ اسْتِئْنَافَهُ ، وَلِأَنَّ تَعَلُّقَهُ بِهِ غَيْرُ وَاسِعِ الْمَعْنَى .
وَمِثْلُهُ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجِ : إِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=108وَاتَّقُوا اللَّهَ عَلَى أَنَّ ( يَوْمَ ) مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ ، وَقِيلَ : بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنَ اسْمِ الْجَلَالَةِ فِي قَوْلِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ لِأَنَّ جَمْعَ الرُّسُلِ مِمَّا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ شَأْنُ اللَّهِ ، فَالِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=109مَاذَا أُجِبْتُمْ مُسْتَعْمَلٌ فِي الِاسْتِشْهَادِ . يَنْتَقِلُ مِنْهُ إِلَى لَازِمِهِ ، وَهُوَ تَوْبِيخُ الَّذِينَ كَذَّبُوا الرُّسُلَ فِي حَيَاتِهِمْ أَوْ بَدَّلُوا وَارْتَدُّوا بَعْدَ مَمَاتِهِمْ .
وَظَاهِرُ حَقِيقَةِ الْإِجَابَةِ أَنَّ الْمَعْنَى : مَاذَا أَجَابَكُمُ الْأَقْوَامُ الَّذِينَ أُرْسِلْتُمْ إِلَيْهِمْ ، أَيْ مَاذَا تَلَقَّوْا بِهِ دَعَوَاتِكُمْ ، حَمْلًا عَلَى مَا هُوَ بِمَعْنَاهُ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=56فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ . وَيُحْمَلُ قَوْلُ الرُّسُلِ لَا عِلْمَ لَنَا عَلَى مَعْنَى لَا عِلْمَ لَنَا بِمَا يُضْمِرُونَ حِينَ أَجَابُوا فَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا . أَوْ هُوَ تَأَدُّبٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ مَا عَدَا ذَلِكَ مِمَّا أَجَابَتْ بِهِ الْأُمَمُ يَعْلَمُهُ رُسُلُهُمْ; فَلَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِ نَفْيِ الرُّسُلِ الْعِلْمَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَتَفْوِيضِهِمْ إِلَى عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِهَذَا الْمَعْنَى . فَأَجْمَعَ الرُّسُلُ فِي الْجَوَابِ عَلَى تَفْوِيضِ الْعِلْمِ إِلَى اللَّهِ ، أَيْ أَنَّ عِلْمَكَ سُبْحَانَكَ أَعْلَى مِنْ كُلِّ عِلْمٍ وَشَهَادَتَكَ أَعْدَلُ مِنْ كُلِّ شَهَادَةٍ ، فَكَانَ جَوَابَ الرُّسُلِ مُتَضَمِّنًا أُمُورًا : أَحَدُهَا الشَّهَادَةُ عَلَى الْكَافِرِينَ مِنْ أُمَمِهِمْ بِأَنَّ مَا عَامَلَهُمُ اللَّهُ بِهِ هُوَ الْحَقُّ . وَالثَّانِي تَسْفِيهُ أُولَئِكَ الْكَافِرِينَ فِي إِنْكَارِهِمُ الَّذِي لَا يُجْدِيهِمْ . وَالثَّالِثُ تَذْكِيرُ أُمَمِهِمْ بِمَا عَامَلُوا بِهِ رُسُلَهُمْ لِأَنَّ فِي قَوْلِهِمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=109إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ، تَعْمِيمًا لِلتَّذْكِيرِ بِكُلِّ مَا صَدَرَ مِنْ أُمَمِهِمْ مِنْ تَكْذِيبٍ وَأَذًى وَعِنَادٍ . وَيُقَالُ لِمَنْ يَسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ لَا أَزِيدُكَ عِلْمًا بِذَلِكَ ، أَوْ أَنْتَ تَعْرِفُ مَا جَرَى .
[ ص: 100 ] وَإِيرَادُ الضَّمِيرِ الْمُنْفَصِلِ بَعْدَ الضَّمِيرِ الْمُتَّصِلِ لِزِيَادَةِ تَقْرِيرِ الْخَبَرِ وَتَأْكِيدِهِ .
وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ تَأْوِيلُ قَوْلِ الرُّسُلِ لَا عِلْمَ لَنَا بِأَنَّهُمْ نَفَوْا أَنْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ مَا كَانَ مِنْ آخِرِ الْأُمَمِ بَعْدَ مَوْتِ رُسُلِهِمْ مِنْ دَوَامٍ عَلَى إِقَامَةِ الشَّرَائِعِ أَوِ التَّفْرِيطِ فِيهَا وَتَبْدِيلِهَا فَيَكُونُ قَوْلُ الرُّسُلِ لَا عِلْمَ لَنَا مَحْمُولًا عَلَى حَقِيقَتِهِ وَيَكُونُ مَحْمَلُ ( مَاذَا ) عَلَى قَوْلِهِ مَاذَا أُجِبْتُمْ هُوَ مَا أَجَابُوا بِهِ مِنْ تَصْدِيقٍ وَتَكْذِيبٍ وَمِنْ دَوَامِ الْمُصَدِّقِينَ عَلَى تَصْدِيقِهِمْ أَوْ نَقْصِ ذَلِكَ ، وَيُعَضِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ مَا جَاءَ بَعْدَ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ، وَقَوْلِ
عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=117وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ الْآيَةَ فَإِنَّ الْمُحَاوَرَةَ مَعَ
عِيسَى بَعْضٌ مِنَ الْمُحَاوَرَةِ مَعَ بَقِيَّةِ الرُّسُلِ . وَهُوَ تَأْوِيلٌ حَسَنٌ .
وَعَبَّرَ فِي جَوَابِ الرُّسُلِ بِـ ( قَالُوا ) الْمُفِيدُ لِلْمُضِيِّ مَعَ أَنَّ الْجَوَابَ لَمْ يَقَعْ ، لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَحْقِيقِ أَنْ سَيَقَعَ حَتَّى صَارَ الْمُسْتَقْبَلُ مِنْ قُوَّةِ التَّحَقُّقِ بِمَنْزِلَةِ الْمَاضِي فِي التَّحَقُّقِ . عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ الَّذِي تُحْكَى بِهِ الْمُحَاوَرَاتُ لَا يُلْتَزَمُ فِيهِ مُرَاعَاةُ صِيغَتِهِ لِزَمَانِ وُقُوعِهِ لِأَنَّ زَمَانَ الْوُقُوعِ يَكُونُ قَدْ تَعَيَّنَ بِقَرِينَةِ سِيَاقِ الْمُحَاوَرَةِ .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ الْغُيُوبِ بِضَمِّ الْغَيْنِ . وَقَرَأَ
حَمْزَةُ ، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ
عَاصِمٍ بِكَسْرِ الْغَيْنِ وَهِيَ لُغَةٌ لِدَفْعِ ثِقَلِ الِانْتِقَالِ مِنَ الضَّمَّةِ إِلَى الْبَاءِ ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي بُيُوتٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=15فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ .
وَفَصَلَ ( قَالُوا ) جَرْيًا عَلَى طَرِيقَةِ حِكَايَةِ الْمُحَاوَرَاتِ ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ظَرْفٌ ، هُوَ بَدَلٌ مِنْ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=109يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ بَدَلُ اشْتِمَالٍ ، فَإِنَّ يَوْمَ الْجَمْعِ مُشْتَمِلٌ عَلَى زَمَنِ هَذَا الْخِطَابِ
لِعِيسَى ، وَلِذَلِكَ لَمْ تُعْطَفْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا . وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِ مَا يُقَالُ
لِعِيسَى يَوْمَئِذٍ هُوَ تَقْرِيعُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ ضَلُّوا فِي شَأْنِ
عِيسَى بَيْنَ طَرَفَيْ إِفْرَاطِ بُغْضٍ وَإِفْرَاطِ حُبٍّ .
فَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=115لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ اسْتِئْنَاسٌ
[ ص: 101 ] لِعِيسَى لِئَلَّا يُفْزِعَهُ السُّؤَالُ الْوَارِدُ بَعْدَهُ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ إِلَخْ . . . وَهَذَا تَقْرِيعٌ لِلْيَهُودِ ، وَمَا بَعْدَهَا تَقْرِيعٌ لِلنَّصَارَى . وَالْمُرَادُ مِنَ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110اذْكُرْ نِعْمَتِي الذُّكْرُ بِضَمِّ الذَّالِ وَهُوَ اسْتِحْضَارُ الْأَمْرِ فِي الذِّهْنِ . وَالْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ اذْكُرْ لِلِامْتِنَانِ ، إِذْ لَيْسَ
عِيسَى بِنَاسٍ لِنِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى وَالِدَتِهِ . وَمِنْ لَازِمِهِ خِزْيُ الْيَهُودِ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُ سَاحِرٌ مُفْسِدٌ إِذْ لَيْسَ السِّحْرُ وَالْفَسَادُ بِنِعْمَةٍ يَعُدُّهَا اللَّهُ عَلَى عَبْدِهِ . وَوَجْهُ ذِكْرِ وَالِدَتِهِ هُنَا الزِّيَادَةُ مِنْ تَبْكِيتِ الْيَهُودِ وَكَمَدِهِمْ لِأَنَّهُمْ تَنَقَّصُوهَا بِأَقْذَعَ مِمَّا تَنَقَّصُوهُ .
وَالظَّرْفُ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ مُتَعَلِّقٌ بِـ ( نِعْمَتِي ) لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْمَصْدَرِ ، أَيِ النِّعْمَةَ الْحَاصِلَةَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، وَهُوَ وَقْتُ التَّأْيِيدِ بِرُوحِ الْقُدُسِ . وَرُوحُ الْقُدُسِ هُنَا
جِبْرِيلُ عَلَى الْأَظْهَرِ .
وَالتَّأْيِيدُ وَرُوحُ الْقُدُسِ تَقَدَّمَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=87وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ .
وَجُمْلَةُ ( تُكَلِّمُ ) حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ بِـ ( أَيَّدْتُكَ ) وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَلْقَى الْكَلَامَ مِنَ الْمَلِكِ عَلَى لِسَانِ عِيسَى وَهُوَ فِي الْمَهْدِ ، وَفِي ذَلِكَ تَأْيِيدٌ لَهُ لِإِثْبَاتِ نَزَاهَةِ تَكَوُّنِهِ ، وَفِي ذَلِكَ نِعْمَةٌ عَلَيْهِ ، وَعَلَى وَالِدَتِهِ إِذْ ثَبَتَتْ بَرَاءَتُهَا مِمَّا اتُّهِمَتْ بِهِ .
وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110فِي الْمَهْدِ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ ( تُكَلِّمُ ) . ( وَ كَهْلًا ) مَعْطُوفٌ عَلَى فِي الْمَهْدِ لِأَنَّهُ حَالٌ أَيْضًا ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=12دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا . وَالْمَهْدُ وَالْكَهْلُ تَقَدَّمَا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ . وَتَكْلِيمُهُ كَهْلًا أُرِيدَ بِهِ الدَّعْوَةُ إِلَى الدِّينِ فَهُوَ مِنَ التَّأْيِيدِ بِرُوحِ الْقُدُسِ ، لِأَنَّهُ الَّذِي يُلْقِي إِلَى عِيسَى مَا يَأْمُرُهُ اللَّهُ بِتَبْلِيغِهِ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي نَظِيرِهِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي نَظِيرِهِ هُنَالِكَ .
إِلَّا أَنَّهُ قَالَ هُنَا
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110فَتَنْفُخُ فِيهَا وَقَالَ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ فَأَنْفُخُ فِيهِ . فَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17141مَكِّيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ عَادَ إِلَى الطَّيْرِ ، وَالضَّمِيرَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ
[ ص: 102 ] عَادَ إِلَى الْهَيْئَةِ وَاخْتَارَ
ابْنُ عَطِيَّةَ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ هُنَا عَائِدًا إِلَى مَا تَقْتَضِيهِ الْآيَةُ ضَرُورَةً . أَيْ بِدَلَالَةِ الِاقْتِضَاءِ . وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ يَقْتَضِي صُوَرًا أَوْ أَجْسَامًا أَوْ أَشْكَالًا ، وَكَذَلِكَ الضَّمِيرُ الْمُذَكَّرُ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ يَعُودُ عَلَى الْمَخْلُوقِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ( أَخْلُقُ ) . وَجَعَلَهُ فِي الْكَشَّافِ عَائِدًا إِلَى الْكَافِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا صِفَةً لِلَّفْظِ هَيْئَةِ الْمَحْذُوفِ الدَّالِّ عَلَيْهِ لَفْظُ هَيْئَةِ الْمَدْخُولِ لِلْكَافِ وَكُلُّ ذَلِكَ نَاظِرًا إِلَى أَنَّ الْهَيْئَةَ لَا تَصْلُحُ لِأَنْ تَكُونَ مُتَعَلِّقَ ( تَنْفُخُ ) ، إِذِ الْهَيْئَةُ مَعْنًى لَا يُنْفَخُ فِيهَا وَلَا تَكُونُ طَائِرًا .
وَقَرَأَ
نَافِعٌ وَحْدَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110فَتَكُونُ طَائِرًا بِالْإِفْرَادِ كَمَا قَرَأَ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ . وَتَوْجِيهُهَا هُنَا أَنَّ الضَّمِيرَ جَرَى عَلَى التَّأْنِيثِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ وَإِذْ تَخْلُقُ ، أَيْ تُقَدِّرُ هَيْئَةً كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَتَكُونُ الْهَيْئَةُ طَائِرًا ، أَيْ كُلُّ هَيْئَةٍ تُقَدِّرُهَا تَكُونُ وَاحِدًا مِنَ الطَّيْرِ .
وَقَرَأَ الْبَقِيَّةُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110طَيْرًا ) بِصِيغَةِ اسْمِ الْجَمْعِ بِاعْتِبَارِ تَعَدُّدِ مَا يُقَدِّرُهُ مِنْ هَيْئَاتٍ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ .
وَقَالَ هُنَا
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى وَلَمْ يَقُلْ : وَتُحْيِ الْمَوْتَى ، كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ، أَيْ تُخْرِجُهُمْ مِنْ قُبُورِهِمْ أَحْيَاءً ، فَأُطْلِقَ الْإِخْرَاجُ وَأُرِيدَ بِهِ لَازِمُهُ وَهُوَ الْإِحْيَاءُ ، لِأَنَّ الْمَيِّتَ وُضِعَ فِي الْقَبْرِ لِأَجْلِ كَوْنِهِ مَيِّتًا فَكَانَ إِخْرَاجُهُ مِنَ الْقَبْرِ مَلْزُومًا لِانْعِكَاسِ السَّبَبِ الَّذِي لِأَجْلِهِ وُضِعَ فِي الْقَبْرِ . وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ الْإِحْيَاءَ خُرُوجًا فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=11وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ وَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=67أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ عُطِفَ عَلَى إِذْ أَيَّدْتُكَ ، وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ . وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ ، وَهِيَ نِعْمَةُ الْعِصْمَةِ مِنَ الْإِهَانَةِ ، فَقَدْ كَفَّ اللَّهُ عَنْهُ
بَنِي إِسْرَائِيلَ سِنِينَ ، وَهُوَ يَدْعُو إِلَى الدِّينِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ مَعَ حِقْدِهِمْ وَقِلَّةِ أَنْصَارِهِ ، فَصَرَفَهُمُ اللَّهُ عَنْ ضُرِّهِ حَتَّى أَدَّى الرِّسَالَةَ ، ثُمَّ لَمَّا اسْتَفَاقُوا وَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ عَلَى قَتْلِهِ عَصَمَهُ اللَّهُ مِنْهُمْ فَرَفَعَهُ إِلَيْهِ وَلَمْ يَظْفَرُوا بِهِ ، وَمَاتَتْ نُفُوسُهُمْ بِغَيْظِهَا . وَقَدْ دَلَّ عَلَى جَمِيعِ هَذِهِ الْمُدَّةِ الظَّرْفُ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَإِنَّ تِلْكَ الْمُدَّةَ كُلَّهَا مُدَّةُ ظُهُورِ مُعْجِزَاتِهِ
[ ص: 103 ] بَيْنَهُمْ . وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ تَخَلُّصٌ مِنْ تَنْهِيَةِ تَقْرِيعِ مُكَذِّبِيهِ إِلَى كَرَامَةِ الْمُصَدِّقِينَ بِهِ .
وَاقْتُصِرَ مِنْ دَعَاوِي تَكْذِيبِهِمْ إِيَّاهُ عَلَى قَوْلِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ، لِأَنَّ ذَلِكَ الِادِّعَاءَ قَصَدُوا بِهِ التَّوَسُّلَ إِلَى قَتْلِهِ ، لِأَنَّ حُكْمَ السَّاحِرِ فِي شَرِيعَةِ الْيَهُودِ الْقَتْلُ إِذِ السِّحْرُ عِنْدَهُمْ كُفْرٌ ، إِذْ كَانَ مِنْ صِنَاعَةِ عَبَدَةِ الْأَصْنَامِ ، فَقَدْ قَرَنَتِ التَّوْرَاةُ السِّحْرَ وَعِرَافَةِ الْجَانِّ بِالشِّرْكِ ، كَمَا جَاءَ فِي سِفْرِ الْلَاوِيِّيينَ فِي الْإِصْحَاحِ الْعِشْرِينَ .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ ) ، وَالْإِشَارَةُ بِـ هَذَا إِلَى مَجْمُوعِ مَا شَاهَدُوهُ مِنَ الْبَيِّنَاتِ . وَقَرَأَ
حَمْزَةُ ، nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ ، وَخَلَفٌ ( إِلَّا سَاحِرٌ ) . وَالْإِشَارَةُ إِلَى
عِيسَى الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ . وَلَا شَكَّ أَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا
لِعِيسَى كِلْتَا الْمَقَالَتَيْنِ عَلَى التَّفْرِيقِ أَوْ عَلَى اخْتِلَافِ جَمَاعَاتِ الْقَائِلِينَ وَأَوْقَاتِ الْقَوْلِ .