الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما .

كتاب أمهات الأولاد

وأصول هذا الكتاب النظر في : هل تباع أم الولد أم لا ؟ وإن كانت لا تباع فمتى تكون أم ولد ، وبماذا تكون أم ولد ، وما يبقى فيها لسيدها من أحكام العبودية ، ومتى تكون حرة ؟

[ المسألة الأولى ]

[ هل تباع أم الولد أم لا ؟ ]

أما المسألة الأولى : فإن العلماء اختلفوا فيها سلفهم وخلفهم ، فالثابت عن عمر - رضي الله عنه - أنه قضى بأنها لا تباع وأنها حرة من رأس مال سيدها إذا مات ، وروي مثل ذلك عن عثمان ، وهو قول أكثر التابعين وجمهور فقهاء الأمصار ، وكان أبو بكر الصديق وعلي - رضوان الله عليهما - وابن عباس ، وابن الزبير ، وجابر بن عبد الله ، وأبو سعيد الخدري يجيزون بيع أم الولد ، وبه قالت الظاهرية من فقهاء الأمصار ، وقال [ ص: 715 ] جابر ، وأبو سعيد : " كنا نبيع أمهات الأولاد والنبي - عليه الصلاة والسلام - فينا لا يرى بذلك بأسا " ، واحتجوا بما روي عن جابر أنه قال : " كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وصدر من خلافة عمر ، ثم نهانا عمر عن بيعهن " .

ومما اعتمد عليه أهل الظاهر في هذه المسألة النوع من الاستدلال الذي يعرف باستصحاب حال الإجماع ، وذلك أنهم قالوا : لما انعقد الإجماع على أنها مملوكة قبل الولادة ، وجب أن تكون كذلك بعد الولادة إلى أن يدل الدليل على غير ذلك ، وقد تبين في كتب الأصول قوة هذا الاستدلال ، وأنه لا يصح عند من يقول بالقياس ، وإنما يكون ذلك دليلا بحسب رأي من ينكر القياس .

وربما احتج الجمهور عليهم بمثل احتجاجهم ، وهو الذي يعرفونه بمقابلة الدعوى بالدعوى ، وذلك أنهم يقولون : أليس تعرفون أن الإجماع قد انعقد على منع بيعها في حال حملها ، فإذا كان ذلك وجب أن يستصحب حال هذا الإجماع بعد وضع الحمل ، إلا أن المتأخرين من أهل الظاهر أحدثوا في هذا الأصل نقضا ، وذلك أنهم لا يسلمون منع بيعها حاملا .

ومما اعتمده الجمهور في هذا الباب من الأثر ما روي عنه - عليه الصلاة والسلام - أنه قال : في مارية سريته لما ولدت إبراهيم : " أعتقها ولدها " ، ومن ذلك حديث ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " أيما امرأة ولدت من سيدها فإنها حرة إذا مات " ، وكلا الحديثين لا يثبت عند أهل الحديث ، حكى ذلك أبو عمر بن عبد البر - رحمه الله - ، وهو من أهل هذا الشأن .

وربما قالوا أيضا من طريق المعنى أنها قد وجبت لها حرمة وهو اتصال الولد بها وكونه بعضا منها ، وحكوا هذا التعليل عن عمر - رضي الله عنه - حين رأى أن لا يبعن ، فقال : خالطت لحومنا لحومهن ، ودماؤنا دماءهن .

التالي السابق


الخدمات العلمية