الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 80 ] ( فصل في تكبيرات التشريق ) ( ويبدأ بتكبير التشريق بعد صلاة الفجر من يوم عرفة ، ويختم عقيب صلاة العصر من يوم النحر ) عند [ ص: 81 ] أبي حنيفة . وقالا : يختم عقيب صلاة العصر من آخر أيام التشريق ، والمسألة مختلفة بين الصحابة ، فأخذا بقول علي أخذا بالأكثر ، إذ هو الاحتياط في العبادات ، وأخذ بقول ابن مسعود أخذا بالأقل ; لأن الجهر بالتكبير بدعة .

التالي السابق


( فصل في تكبير التشريق ) والإضافة بيانية أي التكبير الذي هو التشريق ، فإن التكبير لا يسمى تشريقا إلا إذا كان بتلك الألفاظ في شيء من الأيام المخصومة فهو حينئذ متفرع على قول الكل ، وما في الكافي مما يدفع هذا ، وهو ما ذكره في جواب الاعتراض على الاستدلال لأبي حنيفة على اشتراط المصر بالتكبير بأثر { لا جمعة ولا تشريق } أي لا تكبير إلا في مصر بأنه يستلزم أن الإضافة في تكبير التشريق معناها تكبير التكبير من أن المراد التشريق في هذا الأثر لا في تلك الإضافة يقتضي عدم صحة الإضافة على معنى التكبير ، لكن الحق صحتها على اعتبار إضافة العام إلى الخاص مثل مسجد الجامع وحركة الإعراب فيجب اعتبارها كذلك تصحيحا ، فحينئذ ما قيل لقب الفصل إنما وقع على قولهما ; لأن شيئا من التكبير لا يقع في أيام التشريق عند أبي حنيفة ، أو باعتبار القرب ; ليكون على قول الكل غير لازم ، وأيضا إنما يلزم لو أضيفت التكبيرات إلى أيام التشريق ، لكن إنما أضيفت إلى التشريق نفسه ، فإنما يصح ما ذكر [ ص: 81 ] إذا أريد بالتشريق أيام التشريق ، أو قدرت الأيام مقحمة بين المتضايفين ولا داعي إليه فليرد به ما ذكرنا . ولو أريد الذبح نفسه على بعد إضافة التكبير للذبح لم يلزم ما ذكر وهو ظاهر .

وعلى هذا فما في الخلاصة من قوله أيام التشريق ثلاثة وأيام النحر ثلاثة ستة تنقضي بأربعة ; لأن الأول نحر فقط والأخير تشريق فقط والمتوسطان نحر وتشريق لا يصح ، فإن التشريق في أيام التشريق يجب أن يحمل على التكبير أو الذبح ، أو تشريق اللحم بإظهاره للشمس بعد تقطيعه ليتقدد ، وعلى كليهما يدخل يوم النحر فيها إلا أن يقال : التشريق بالمعنى الثالث لا يكون في الأول ظاهرا . واختلف في أن تكبيرات التشريق واجبة في المذاهب أو سنة ، والأكثر على أنها واجبة . ودليل السنة أنهض وهو مواظبته صلى الله عليه وسلم . وأما الاستدلال بقوله تعالى { ويذكروا اسم الله في أيام معلومات } فالظاهر منها ذكر اسمه على الذبيحة نسخا لذكرهم عليها غيره في الجاهلية بدليل { على ما رزقهم من بهيمة الأنعام } بل قد قيل : إن الذكر كناية عن نفس الذبح .

( قوله : والمسألة مختلفة بين الصحابة فأخذا بقول علي رضي الله عنه ) وهو ما رواه ابن أبي شيبة : حدثنا حسن بن علي عن زائدة عن عاصم عن شقيق عن علي رضي الله عنه أنه كان يكبر بعد الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق . ورواه محمد بن الحسن : أخبرنا أبو حنيفة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي عن علي بن أبي طالب فذكره ، وأخذ هو بقول ابن مسعود رضي الله عنه ، وهو ما رواه ابن أبي شيبة أيضا . حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن الأسود قال : كان عبد الله يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم النحر يقول : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد . وقول من جعل الفتوى على قولهما خلاف مقتضى الترجيح ، فإن الخلاف فيه مع رفع الصوت لا في نفس الذكر .

والأصل في الأذكار الإخفاء والجهر به بدعة ، فإذا تعارضا في الجهر ترجح الأقل . وأخرج الحاكم عن علي وعمارة قالا { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر في المكتوبات ببسم الله الرحمن الرحيم ، وكان يقنت في صلاة الفجر ، وكان يكبر من يوم عرفة صلاة الغداة ويقطعها صلاة العصر آخر أيام التشريق } وصححه ، وتعقبه الذهبي وقال : إنه خبر واه كأنه موضوع ، فإن عبد الرحمن صاحب مناكير ، وسعيد إن كان [ ص: 82 ] الكريزي فهو ضعيف وإلا فهو مجهول . أخرجه البيهقي وضعفه .




الخدمات العلمية