الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 335 ] القول في تأويل قوله ( تحمله الملائكة )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في صفة حمل الملائكة ذلك التابوت .

فقال بعضهم : معنى ذلك : تحمله بين السماء والأرض ، حتى تضعه بين أظهرهم .

ذكر من قال ذلك :

5701 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : جاءت الملائكة بالتابوت تحمله بين السماء والأرض وهم ينظرون إليه ، حتى وضعته عند طالوت .

5702 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : لما قال لهم - يعني - النبي لبني إسرائيل : " والله يؤتي ملكه من يشاء " . قالوا : فمن لنا بأن الله هو آتاه هذا ! ما هو إلا لهواك فيه ! قال : إن كنتم قد كذبتموني واتهمتموني ، فإن آية ملكه : " أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم " الآية . قال : فنزلت الملائكة بالتابوت نهارا ينظرون إليه عيانا ، حتى وضعوه بين أظهرهم ، فأقروا غير راضين ، وخرجوا ساخطين ، وقرأ حتى بلغ : " والله مع الصابرين " .

5703 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : لما قال لهم نبيهم : " إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم " قالوا : فإن كنت صادقا فأتنا بآية أن هذا ملك ! قال : " إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة " . وأصبح التابوت وما فيه في دار طالوت ، فآمنوا بنبوة شمعون ، وسلموا ملك طالوت .

5704 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا [ ص: 336 ] معمر ، عن قتادة في قوله : " تحمله الملائكة " قال : تحمله حتى تضعه في بيت طالوت .

وقال آخرون : معنى ذلك : تسوق الملائكة الدواب التي تحمله .

ذكر من قال ذلك :

5705 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن بعض أشياخه قال : تحمله الملائكة على عجلة على بقرة .

5706 - حدثنا الحسن قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا عبد الصمد بن معقل : أنه سمع وهب بن منبه يقول : وكل بالبقرتين اللتين سارتا بالتابوت أربعة من الملائكة يسوقونهما ، فسارت البقرتان بهما سيرا سريعا ، حتى إذا بلغتا طرف القدس ذهبتا .

قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : " حملت التابوت الملائكة حتى وضعته لها في دار طالوت قائما بين أظهر بني إسرائيل " . وذلك أن الله - تعالى ذكره - قال : " تحمله الملائكة " ولم يقل : تأتي به الملائكة . وما جرته البقر على عجل - وإن كانت الملائكة هي سائقتها - فهي غير حاملته ؛ لأن " الحمل " المعروف هو مباشرة الحامل بنفسه حمل ما حمل ، فأما ما حمله على غيره - وإن كان جائزا في اللغة أن يقال " حمله " بمعنى معونته الحامل ، وبأن حمله كان عن سببه - فليس سبيله سبيل ما باشر حمله بنفسه ، في تعارف الناس إياه [ ص: 337 ] بينهم . وتوجيه تأويل القرآن إلى الأشهر من اللغات ، أولى من توجيهه إلى الأنكر ، ما وجد إلى ذلك سبيل .

التالي السابق


الخدمات العلمية