الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب دفع المار وما عليه من الإثم والرخصة في ذلك للطائفين بالبيت .

                                                                                                                                            879 - ( عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدا يمر بين يديه فإن أبى فليقاتله فإن معه القرين } . رواه أحمد ومسلم وابن ماجه ) .

                                                                                                                                            880 - ( وعن أبي سعيد قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : { إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه ، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان } . رواه الجماعة إلا الترمذي وابن ماجه ) .

                                                                                                                                            [ ص: 10 ]

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            [ ص: 10 ] قوله : ( إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع ) هذا مطلق مقيد بما في حديث أبي سعيد من قوله صلى الله عليه وسلم " إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره " فلا يجوز الدفع والمقاتلة إلا لمن كان له سترة . قال النووي : واتفقوا على أن هذا كله لمن لم يفرط في صلاته بل احتاط وصلى إلى سترة أو في مكان يأمن المرور بين يديه قوله : ( فلا يدع أحدا يمر بين يديه ) ظاهر النهي التحريم قوله : ( فإن أبى فليقاتله ) وفيه أنه يدافعه أولا بما دون القتل فيبدأ بأسهل الوجوه ثم ينتقل إلى الأشد فالأشد إلى حد القتل .

                                                                                                                                            قال القاضي عياض والقرطبي : وأجمعوا على أنه لا يلزمه أن يقاتله بالسلاح لمخالفة ذلك لقاعدة الإقبال على الصلاة والاشتغال بها وأطلق جماعة من الشافعية أن له أن يقاتله حقيقة ، واستبعد ذلك ابن العربي وقال : المراد بالمقاتلة المدافعة ، وأغرب الباجي فقال : يحتمل أن يكون المراد بالمقاتلة اللعن أو التعنيف . وتعقبه الحافظ بأنه يستلزم التكلم في الصلاة وهو مبطل بخلاف الفعل اليسير

                                                                                                                                            وقد روى الإسماعيلي بلفظ : " فإن أبى فليجعل يده في صدره وليدفعه " وهو صريح في الدفع باليد ، وكذلك فعل أبو سعيد بالغلام الذي أراد أن يجتاز بين يديه فإنه دفعه في صدره ثم عاد فدفعه أشد من الأولى كما في البخاري وغيره . ونقل البيهقي عن الشافعي أن المراد بالمقاتلة دفع أشد من الدفع الأول

                                                                                                                                            قال القاضي عياض : فإن دفعه بما يجوز فهلك فلا قود عليه باتفاق العلماء . وهل تجب دية أم يكون هدرا ؟ مذهبان للعلماء ، وهما قولان في مذهب مالك . وحكى القاضي عياض وابن بطال الإجماع على أنه لا يجوز له المشي من مكانه ليدفعه ولا العمل الكثير في مدافعته ; لأن ذلك أشد في الصلاة من المرور . قال الحافظ : وذهب الجمهور إلى أنه إذا مر ولم يدفعه فلا ينبغي له أن يرده ; لأن فيه إعادة للمرور

                                                                                                                                            قال : وروى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود وغيره أن له ذلك . قال النووي : لا أعلم أحدا من الفقهاء قال بوجوب هذا الدفع

                                                                                                                                            وتعقبه الحافظ بأنه قد صرح بوجوبه أهل الظاهر ا هـ ، وظاهر الحديث معهم قوله : ( فإن معه القرين ) في القاموس القرين : المقارن والصاحب ، والشيطان المقرون بالإنسان لا يفارقه وهو المراد هنا قوله : ( فإنما هو شيطان ) قال الحافظ : إطلاق الشيطان على المار من الإنس شائع ذائع ، وقد جاء في القرآن قوله تعالى: { شياطين الإنس والجن } وسبب إطلاقه عليه أنه فعل فعل الشيطان

                                                                                                                                            وقيل : معناه إنما حمله على مروره وامتناعه من الرجوع الشيطان . وقال ابن بطال : في هذا الحديث جواز إطلاق لفظ الشيطان على من يفتن في الدين . قال الحافظ : وهو مبني على أن لفظ الشيطان يطلق حقيقة على الإنسي ومجازا على الجني ، وفيه بحث . وقيل : المراد بالشيطان القرين كما في الحديث الأول . وقد استنبط ابن أبي جمرة من قوله : " فإنما هو شيطان " أن المراد بالمقاتلة : المدافعة اللطيفة لا حقيقة القتال ; لأن مقاتلة الشيطان إما هي بالاستعاذة [ ص: 11 ] والتستر عنه بالتسمية ونحوها

                                                                                                                                            قال : وهل المقاتلة لخلل يقع في صلاة المصلي من المرور أو لدفع الإثم عن المار ؟ الظاهر الثاني ا هـ . قال الحافظ : وقال غيره : بل الأول أظهر ; لأن إقبال المصلي على صلاته أولى من اشتغاله بدفع الإثم عن غيره . وقد روى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود أن المرور بين يدي المصلي يقطع نصف صلاته

                                                                                                                                            وروى أبو نعيم عن عمر : " لو يعلم المصلي ما ينقص من صلاته بالمرور بين يديه ما صلى إلا إلى شيء يستره من الناس " . قال : فهذان الأثران مقتضاهما أن الدفع لخلل يتعلق بصلاة المصلي ولا يختص بالمار وهما وإن كانا موقوفين لفظا فحكمهما حكم الرفع ; لأن مثلهما لا يقال بالرأي ا هـ




                                                                                                                                            الخدمات العلمية