الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : فاصدع بما تؤمر .

                                                                                                                                                                                                                                      أي : فاجهر به وأظهره من قولهم : صدع بالحجة ; إذا تكلم بها جهارا ، كقولك : صرح بها .

                                                                                                                                                                                                                                      وهذه الآية الكريمة أمر الله فيها نبيه - صلى الله عليه وسلم - بتبليغ ما أمر به علنا في غير خفاء ولا مواربة . وأوضح هذا المعنى في مواضع كثيرة ، كقوله : ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك [ 5 \ 67 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد شهد له تعالى بأنه امتثل ذلك الأمر فبلغ على أكمل وجه في مواضع أخر ; كقوله : اليوم أكملت لكم دينكم [ 5 \ 3 ] ، وقوله : فتول عنهم فما أنت بملوم [ 51 \ 54 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .

                                                                                                                                                                                                                                      تنبيه .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : فاصدع [ 15 \ 94 ] ، قال بعض العلماء : أصله من الصدع بمعنى الإظهار ، ومنه قولهم : انصدع الصبح : انشق عنه الليل . والصديع : الفجر لانصداعه ، ومنه قول عمرو بن معديكرب :


                                                                                                                                                                                                                                      ترى السرحان مفترشا يديه كأن بياض لبته صديع



                                                                                                                                                                                                                                      أي : فجر ، والمعنى على هذا القول : أظهر ما تؤمر به ، وبلغه علنا على رءوس الأشهاد ، وتقول العرب : صدعت الشيء : أظهرته . ومنه قول أبي ذؤيب :

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 320 ]

                                                                                                                                                                                                                                      وكأنهن ربابة وكأنه يسر     يفيض على القداح ويصدع



                                                                                                                                                                                                                                      قاله صاحب اللسان .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال بعض العلماء : أصله من الصدع بمعنى التفريق والشق في الشيء الصلب : كالزجاج والحائط . ومنه بمعنى التفريق : قوله تعالى : من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون [ 30 \ 43 ] ، أي : يتفرقون ، فريق في الجنة وفريق في السعير ; بدليل قوله تعالى : ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون [ 30 \ 14 ] ومنه قول غيلان ذي الرمة : عشية قلبي في المقيم صديعه وراح جناب الظاعنين صديع

                                                                                                                                                                                                                                      يعني : أن قلبه افترق إلى جزءين : جزء في المقيم ، وجزء في الظاعنين .

                                                                                                                                                                                                                                      وعلى هذا القول : فاصدع بما تؤمر [ 15 \ 94 ] ، أي : فرق بين الحق والباطل بما أمرك الله بتبليغه . وقوله : بما تؤمر يحتمل أن تكون ( ما ) موصولة . ويحتمل أن تكون مصدرية ، بناء على جواز سبك المصدر من أن والفعل المبني للمفعول ، ومنع ذلك جماعة من علماء العربية . قال أبو حيان في ( البحر ) : والصحيح أن ذلك لا يجوز .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية