الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 351 ] فصل في اللبس ( يحرم لبس الحرير ولو بحائل ) بينه وبين بدنه ( على المذهب ) الصحيح وعن الإمام إنما يحرم إذا مس الجلد . قال في القنية : وهي رخصة عظيمة في موضع عمت به البلوى ( أو في الحرب ) فإنه يحرم أيضا عنده . وقالا يحل في الحرب ( على الرجل لا المرأة إلا قدر أربع أصابع ) كأعلام الثوب ( مضمومة ) وقيل منشورة وقيل [ ص: 352 ] بين بين وظاهر المذهب عدم جمع المتفرق ولو في عمامة كما بسط في القنية وفيها عمامة طرزها قدر أربع أصابع من إبريسم من أصابع عمر رضي الله عنه وذلك قيس شبرنا يرخص فيه ( وكذا المنسوج بذهب إذا كان هذا المقدار ) أربع أصابع ( وإلا لا ) يحل للرجل زيلعي .

وفي المجتبى : العلم في العمامة في موضعين أو أكثر يجمع ، وقيل لا وفيه وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى عمامة عليها علم من قصب فضة قدر ثلاث أصابع لا بأس ومن ذهب يكره وقيل لا يكره وفيه تكره الجبة المكفوفة بالحرير . [ ص: 353 ] قلت : وبهذا ثبت كراهة ما اعتاده أهل زماننا من القمص البصرية وفيه المرخص العلم في عرض الثوب . قلت : ومفاده أن القليل في طوله يكره ا هـ قال المصنف : وبه جزم منلا خسرو وصدر الشريعة لكن إطلاق الهداية وغيرها يخالفه . وفي السراج عن السير الكبير : العلم حلال مطلقا صغيرا كان أو كبيرا قال المصنف : وهو مخالف لما مر من التقييد بأربع أصابع وفيه رخصة عظيمة لمن ابتلي به في زماننا ا هـ . قلت : قال شيخنا وأظن أنه الراية وما يعقد على الرمح فإنه حلال ولو كبيرا لأنه ليس بلبس وبه يحصل التوفيق

التالي السابق


فصل في اللبس اعلم أن الكسوة منها فرض وهو ما يستر العورة ويدفع الحر والبرد والأولى كونه من القطن أو الكتان أو الصوف على وفاق السنة بأن يكون ذيله لنصف ساقه وكمه لرءوس أصابعه وفمه قدر شبر كما في النتف بين النفيس والخسيس إذ خير الأمور أوساطها ، وللنهي عن الشهرتين وهو ما كان في نهاية النفاسة أو الخساسة ، ومستحب : وهو الزائد لأخذ الزينة وإظهار نعمة الله تعالى قال عليه الصلاة والسلام " { إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده } " ومباح وهو الثوب الجميل للتزين في الأعياد والجمع ومجامع الناس لا في جميع الأوقات لأنه صلف وخيلاء ، وربما يغيظ المحتاجين فالتحرز عنه أولى ومكروه وهو اللبس للتكبر ، ويستحب الأبيض وكذا الأسود لأنه شعار بني العباس { ودخل عليه الصلاة والسلام مكة وعلى رأسه عمامة سوداء } ولبس الأخضر سنة كما في الشرعة ا هـ من الملتقى وشرحه .

وفي الهندية عن السراجية : لبس الثياب الجميلة مباح إذا لم يتكبر وتفسيره أن يكون معها كما كان قبلها ا هـ ومن اللباس المعتاد : لبس الفرو ولا بأس به من السباع كلها وغير ذلك من الميتة المدبوغة والمذكاة ودباغها ذكاتها محيط ، ولا بأس بجلود النمر والسباع كلها إذا دبغت أن يجعل منها مصلى أو منبر السرج ملتقط . ويكره للرجال السراويل التي تقع على ظهر القدمين عتابية ، ولا بأس بنعل مخصوف بمسامير الحديد وفي الذخيرة ما فيه نجاسة تمنع جواز الصلاة هل يجوز لبسه ذكر في كراهية أبي يوسف في حديث سعيد بن جبير أنه كان يلبس قلنسوة الثعالب ، ولا يصلي بها أن هذا زلة منه . قلت : هذا إشارة إلى أنه لا يجوز لبسه بلا ضرورة تتارخانية لكن قدم الشارح في شروط الصلاة أن له لبس ثوب نجس في غير صلاة وعزاه في البحر إلى المبسوط ( قوله يحرم لبس الحرير إلخ ) أي إلا لضرورة كما يأتي ، قال في المغرب الحرير الإبريسم المطبوخ وسمي الثوب المتخذ منه حريرا ( قوله قال في القنية إلخ ) نقله عن أستاذه بديع وأنه قال لكن طلبت هذا عن أبي حنيفة في كثير من الكتب فلم أجد سوى ما عن برهان صاحب المحيط قال في الخيرية .

فالحاصل أنه مخالف لما في المتون الموضوعة لنقل المذهب فلا يجوز العمل والفتوى به ( قوله و قالا يحل في الحرب ) أي لو صفيقا يحصل به اتقاء العدو كما يأتي والخلاف فيما لحمته حرير وسداه ، أما ما لحمته فقط حرير أو سداه حرير فقط يباح لبسه حالة الحرب بالإجماع كما في التتارخانية ويأتي ( قوله إلا قدر أربع أصابع إلخ ) لما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما إنما { نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الثوب المصمت من الحرير } فأما العلم وسدى الثوب فلا بأس به والمصمت الخالص ، ولخبر مسلم { نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير إلا موضع أصبع أو أصبعين أو ثلاث أو أربع } وهل المراد قدر الأربع أصابع طولا وعرضا بأن لا يزيد طول العلم وعرضه على ذلك أو المراد عرضها فقط ، وإن زاد طوله على طولها المتبادر من كلامهم الثاني ، ويفيده أيضا ما سيأتي في كلام الشارح عن الحاوي الزاهدي وعلم الثوب رقمه وهو الطراز كما في القاموس والمراد به ما كان من خالص الحرير نسجا أو خياطة ، وظاهر كلامهم أنه لا فرق بينه وبين المطرف ، وهو ما جعل طرفه مسجفا بالحرير في أنه يتقيد بأربع أصابع ، خلافا للشافعية حيث قيدوا المطرز بالأربع أصابع ، وبنوا المطرف [ ص: 352 ] على العادة الغالبة في كل ناحية ، وإن جاوز أربع أصابع فالمراد بالعلم عندنا ما يشملهما ، فيدخل فيه السجاف وما يحيط على أطراف الأكمام وما يجعل في طوق الجبة وهو المسمى قبة وكذا العروة والزر كما سيأتي ، . ومثله فيما يظهر طرة الطربوش : أي القلنسوة ما لم تزد على عرض أربع أصابع وكذا بيت تكة السراويل ، وما على أكتاف العباءة وعلى ظهرها وإزار الحمام المسمى بالشطرنجي ، وما في أطراف الشاش سواء كان تطريزا بالإبرة أو نسجا وما يركب في أطراف العمامة المسمى صجقا فجميع ذلك لا بأس به إذا كان عرض أربع أصابع ، وإن زاد على طولها بناء على ما مر ، ومثله لو رقع الثوب بقطعة ديباج ، بخلاف ما لو جعلها حشوا .

قال في الهندية : ولو جعل القز حشوا للقباء فلا بأس به لأنه تبع ، ولو جعلت ظهارته أو بطانته فهو مكروه لأن كليهما مقصود كذا في محيط السرخسي ، وفي شرح القدوري عن أبي يوسف : أكره بطائن القلانس من إبريسم ا هـ وعليه فلو كانت قبة الجبة أكثر من أربع أصابع كما هو العادة في زماننا فخيط فوقها قطعة كرباس يجوز لبسها لأن الحرير صار حشوا تأمل ( قوله وظاهر المذهب عدم جمع المتفرق ) أي إلا إذا كان خط منه قزا وخط منه غيره بحيث يرى كله قزا فلا يجوز كما سيذكره عن الحاوي ، ومقتضاه حل الثوب المنقوش بالحرير تطريزا ونسجا إذا لم تبلغ كل واحدة من نقوشه أربع أصابع ، وإن زادت بالجمع ما لم ير كله حريرا تأمل . قال ط : وهل حكم المتفرق من الذهب والفضة كذلك يحرر ( قوله وفيها ) أي القنية وقد رمز فيها بعد هذا النجم الأئمة المعتبر أربع أصابع كما هي على هيئتها لا أصابع السلف ثم رمز للكرماني منشورة ثم رمز للكرابيسي التحرز عن مقدار المنشورة أولى ( قوله وإلا لا يحل للرجل زيلعي ) عبارة الزيلعي مطلقة عن التقييد بالرجل ، واعترض بأن هذا ليس من الحلي ، فالظاهر أن حكم النساء فيه كالرجال . أقول : فيه نظر ; لأن الحلي كما في القاموس ما يتزين به ، ولا شك أن الثوب المنسوج بالذهب حلي . وقدمناه عن الخانية أن النساء فيما سوى الحلي من الأكل والشرب والادهان من الذهب والفضة والعقود بمنزلة الرجال ; ولا بأس لهن بلبس الديباج والحرير والذهب والفضة واللؤلؤ ا هـ .

وفي الهداية : ويكره أن يلبس الذكور من الصبيان الذهب والحرير ا هـ وسيأتي وفي القنية لا بأس بالعلم المنسوج بالذهب للنساء فأما للرجال فقدر أربع أصابع وما فوقه يكره ( قوله وفي المجتبى إلخ ) قد علمت أن القول الثاني ظاهر المذهب وهذا مكرر مع ما مر من قوله ولو في عمامة ( قوله وفيه ) أي في المجتبى وكذا الضمائر بعده ( قوله ومن ذهب يكره ) قال في القنية كأنه اعتبره بالخاتم ا هـ وفيها وكذا في القلنسوة في ظاهر المذهب يجوز قدر أربع أصابع وفي رواية عن محمد لا يجوز كما لو كانت من حرير ا هـ . قلت : ويأتي الكلام في علم الثوب من الذهب ( قوله تكره الجبة المكفوفة بالحرير ) هذا غير ما عليه العامة فإنه نقل في الهندية عن الذخيرة : أن لبس المكفوف بالحرير مطلق عند عامة الفقهاء . وفي التبيين { عن أسماء أنها [ ص: 353 ] أخرجت جبة طيالسة عليها لبنة شبر من ديباج كسرواني وفرجاها مكفوفان به فقالت هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبسها وكانت عند عائشة رضي الله تعالى عنها فلما قبضت عائشة قبضتها إلي فنحن نغسلها للمريض فيشتفي بها } رواه أحمد ومسلم ولم يذكر لفظة الشبر ا هـ ط .

وفي الهداية وعنه { عليه الصلاة والسلام أنه كان يلبس جبة مكفوفة بالحرير } ا هـ وفي القاموس : كف الثوب كفا خاط حاشيته وهو الخياطة الثانية بعد الشل وفيه لبنة القميص نبيقته ( قوله قلت ) القائل صاحب المجتبى ، وقد علمت حكم المبني عليه هذا القول ( قوله البصرية ) الذي رأيته في المجتبى المضربة من التضريب ( قوله قلت ومفاده ) قائله صاحب المجتبى أيضا ( قوله وبه جزم ) أي بالتقييد بالعرض ، وكذا جزم به ابن الكمال والقهستاني ونقله في التتارخانية عن جامع الجوامع ( قوله لكن إطلاق الهداية وغيرها يخالفه ) أي يخالف التقييد بالعرض ، وقد يقال يحمل المطلق على المقيد كما صرحوا به في كتب الأصول من أنه يحمل عليه عند اتحاد الحكم والحادثة على أن المتون كثيرا ما تطلق المسائل عن بعض قيودها تأمل ولكن إطلاق المتون موافق لإطلاق الأدلة ، وهو أرفق بأهل هذا الزمان لئلا يقعوا في الفسق والعصيان ( قوله وهو مخالف إلخ ) نعم هذا مخالف للمتون صريحا فتقدم عليه ( قوله قلت إلخ ) هذا بعيد جدا ففي التتارخانية ، وأما لبس ما علمه حرير أو مكفوف فمطلق عند عامة الفقهاء خلافا لبعض الناس وعن هشام عن أبي حنيفة لا يرى بأسا بالعلم في الثوب قدر أربع أصابع ، وذكر شمس الأئمة السرخسي أنه لا بأس بالعلم في الثوب لأنه تبع ولم يقدر ا هـ .

فكلامهم في العلم في الثوب الملبوس لا العلم الذي هو الراية ; وإلا لم يبق معنى لقولهم في الثوب ، ولا للتعليل بالتبعية . هذا : وفي التتارخانية ما نصه : بقي الكلام في النساء قال عامة العلماء : يحل لهن لبس الحرير الخالص وبعضهم قالوا : لا يحل ، وأما لبس ما علمه حرير إلى آخر ما قدمناه والمتبادر من هذه العبارة أن ما ذكر من إطلاق العلم إنما هو في حق النساء فإن ثبت هذا فلا إشكال والتوفيق به أحسن وإلا فهما روايتان




الخدمات العلمية