الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 138 ] 740 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموطن الذي تعتكف فيه النساء .

4709 - حدثنا أبو أمية ، حدثنا يعلى بن عبيد الطنافسي ، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن عمرة ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الصبح ، ثم دخل المكان الذي يريد أن يعتكف فيه ، فأراد أن يعتكف في العشر الأواخر ، فأمر فضرب له خباء ، وأمرت عائشة ، فضرب لها خباء ، وأمرت حفصة فضرب لها خباء ، فلما رأت زينب خبائيهما أمرت بخباء ، فضرب لها ، فلما راح النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ما هذا ؟ آلبر تردن ؟ ! فلم يعتكف في رمضان واعتكف عشرا من شوال .

4710 - وحدثنا الربيع المرادي ، حدثنا عبد الله بن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث ، عن يحيى بن سعيد ، عن عمرة حدثته ، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد الاعتكاف فاستأذنته عائشة [ ص: 139 ] رضي الله عنها لتعتكف معه ، فأذن لها ، فضربت خباءها ، فسألتها حفصة لتستأذنه لها لتعتكف معه ، فلما رأته زينب ضربت معهن وكانت امرأة غيورا ، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبيتهن ، فقال : ما هذا ؟ آلبر تردن ؟ ! فترك الاعتكاف حتى أفطر من رمضان ، ثم إنه اعتكف في عشر من شوال .

4711 - وحدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب ، وحدثنا الربيع المرادي ، حدثنا عبد الله بن وهب ، قال يونس في حديثه : إن مالكا أخبره ، وقال الربيع في حديثه : قال : سمعت مالكا يحدث ، ثم اجتمعا جميعا فقالا عن يحيى بن سعيد ، عن عمرة بنت عبد الرحمن ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ولم يذكرا في حديثيهما عائشة .

4712 - وحدثنا محمد بن سنان ، حدثنا عبد الوهاب بن نجدة الحوطي ، حدثنا أبو المغيرة ، عن الأوزاعي ، حدثني يحيى بن سعيد ، حدثتني عمرة ، عن عائشة ، ثم ذكر مثله .

[ ص: 140 ] قال أبو جعفر : ففي هذه الآثار إرادة من أراد الاعتكاف مع النبي صلى الله عليه وسلم من نسائه في المسجد ، وإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن أذن لها منهن في ذلك ، وهذا باب من الفقه قد اختلف أهل العلم فيه .

فطائفة منهم تقول : تعتكف النساء في المساجد كما يعتكف الرجال ، ولا يجوز لهن أن يعتكفن في غيرها ، وهذا قول فقهاء الحجاز .

وطائفة منهم تقول : بل يعتكفن في مساجد بيوتهن ، ولا يعتكفن في غيرها من مساجد الجماعة كما يعتكف الرجال ، وممن كان يذهب إلى ذلك أبو حنيفة وأصحابه .

فتأملنا هذا الحديث : هل فيه حجة لما ذهب إليه الحجازيون إلى ما قد ذكرناه عنهم مما ذهبوا إليه في هذا الباب ، أم لا ؟

فوجدنا الذي فيه مما أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ، لمن أذن له فيه من أزواجه . فوجدنا ذلك : إنما كان على اعتكاف منهن معه فيه ، وقد رأينا النساء يسافرن مع أزواجهن ومع من سواهم من محارمهن إلى الأسفار البعيدة ، وليس لهن أن يفعلن ذلك مع غير أزواجهن ، ومع غير محارمهن ، فاحتمل أن يكون الذي اتسع به لمن أذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه في الاعتكاف [ ص: 141 ] في المسجد هو لكونه معهن فيه بحق الزوجية التي بينهن وبينه ، واحتمل أن يكون لحرمتهن على جميع المسلمين سواه ، فاتسع لهن بذلك الاعتكاف في المسجد ، ولم يتسع ذلك لغيرهن ممن هو بخلاف ذلك ، فانتفى بذلك أن يكون في هذا الحديث حجة لما احتج به الحجازيون فيما ذكرناه عنهم .

ونظرنا بعد ذلك في أحكام النساء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في إتيان المساجد .

4713 - فوجدنا يونس قد حدثنا ، قال : حدثنا سفيان ، عن يحيى بن سعيد ، عن عمرة ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء بعده لمنعهن المساجد ، كما منعت نساء بني إسرائيل .

[ ص: 142 ] قال أبو جعفر : فكان قول عائشة في هذا وهي المأمونة على ما قالت مع علمها وفقهها ويقظتها ، ما قد دل على أن النساء إنما كان لهن إتيان المساجد في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم واسعا لحال كن عليها ، وقد خرجن عنها بعده إلى ضدها ، فانتفى بذلك ما كان واسعا لهن من إتيانهن إياه على ما كن يأتينه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإذا كن كذلك في حياة عائشة كن بعد موتها من ذلك أبعد ، فإذا كان ذلك كذلك عقلنا أنه : إن كان لهن أن يعتكفن فإنما يكون ذلك منهن في خلاف المساجد لا في المساجد ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية