الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                      كشاف القناع عن متن الإقناع

                                                                                                                      البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      ( باب ) ( آداب المشي إلى الصلاة ) أي : التوجه إليها والخروج لها ، وما يتعلق به من الأحكام ( يستحب الخروج إليها ) أي : الصلاة ( متطهرا بخوف وخشوع ) لحديث كعب بن عجرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ، ثم خرج عامدا إلى المسجد فلا يشبك بين أصابعه فإنه في صلاة } رواه أبو داود .

                                                                                                                      ( و ) يستحب ( أن يقول إذا خرج من بيته ولو لغير صلاة : بسم الله ، آمنت بالله اعتصمت بالله توكلت على الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، اللهم إني أعوذ بك أن أضل ) بالبناء للفاعل ( أو أضل ) بالبناء للمفعول من الضلال وهو ضد الهداية ( أو أزل أو أزل ) من الزلل ( أو أظلم أو أظلم ) من الظلم ، وهو الجور ( أو أجهل ، أو يجهل علي ) من الجهل وهو إدراك الشيء على خلاف ما هو به ، والفعل الأول في الكل مبني للفاعل والثاني للمفعول ( و ) يستحب ( أن يمشي إليها ) أي : الصلاة ( بسكينة ووقار ) بفتح الواو .

                                                                                                                      وقال القاضي عياض والقرطبي : هو بمعنى السكينة وذكر على سبيل التأكيد وقال النووي : الظاهر أن بينهما فرقا ، وأن السكينة التأني في الحركات ، واجتناب العبث ، والوقار في الهيئة كغض الطرف ، وخفض الصوت ، وعدم الالتفات والأصل في ذلك : حديث الصحيح { إذا سمعتم الإقامة فامشوا [ ص: 325 ] وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فاقضوا } .

                                                                                                                      ( و ) يستحب أن ( يقارب خطاه ) لتكثر حسناته فإن كل خطوة يكتب له بها حسنة والحسنة بعشر أمثالها ، لحديث زيد بن ثابت قال { أقيمت الصلاة ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم يمشي ، وأنا معه ، فقارب في الخطى ، ثم قال : تدري لم فعلت هذا ؟ لتكثر خطاي في طلب الصلاة } ( ويكره أن يشبك بين أصابعه من حين ) .

                                                                                                                      وفي نسخة من حيث ( يخرج ) من بيته قاصدا المسجد لخبر كعب بن عجرة وتقدم ( وهو ) أي : التشبيك بين الأصابع ( في المسجد أشد كراهة ) لحديث أبي سعيد أنه صلى الله عليه وسلم قال { إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبكن فإن التشبيك من الشيطان وإن أحدكم لا يزال في صلاة ما كان في المسجد حتى يخرج منه } رواه أحمد .

                                                                                                                      قال بعض العلماء إذا كان ينتظر الصلاة ، جمعا بين الأخبار فإنه ورد أنه { لما انتقل صلى الله عليه وسلم من الصلاة التي سلم قبل إتمامها شبك بين أصابعه } .

                                                                                                                      ( و ) تشبيك الأصابع ( في الصلاة أشد وأشد ) كراهة لقول كعب بن عجرة " إن النبي صلى الله عليه وسلم { رأى رجلا قد شبك أصابعه في الصلاة ففرج صلى الله عليه وسلم بين أصابعه } رواه الترمذي وابن ماجه وقال ابن عمر في الذي يصلي وهو مشبك " تلك صلاة المغضوب عليهم " ( يسن أن يقول مع ما تقدم ) ذكره إذا خرج من بيته ما روى أبو سعيد قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم { من خرج من بيته إلى الصلاة فقال : اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك ، وحق ممشاي هذا ، فإني لم أخرج أشرا ولا بطرا } قال الجوهري : البطر الأشر وهو شدة المرح ، .

                                                                                                                      والمرح شدة الفرح والنشاط ( { ولا رياء ولا سمعة } ) الرياء : إظهار العمل للناس ، ليروه ويظنوا به خيرا والسمعة : إظهار العمل ليسمعه الناس ( { خرجت اتقاء سخطك } ) أي غضبك { وابتغاء مرضاتك أسألك أن تنقذني من النار وأن تغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت أقبل الله عليه بوجهه ، واستغفر له سبعون ألف ملك } " رواه أحمد وابن ماجه ، وأن يقول : ( اللهم اجعلني من أوجه من توجه إليك ، وأقرب من توسل إليك ، وأفضل من سألك ورغب إليك ، اللهم اجعل في قلبي نورا ) أي : عظيما كما يفيده التنكير .

                                                                                                                      ( وفي قبري نورا ، وفي لساني ) أي : نطقي ( نورا ) استعارة للعلم والهدى ( وفي سمعي نورا ) ليتحلى بأنواع المعارف ، ويتجلى له بصنوف الحقائق ( وفي بصري نورا ) لينكشف به الحق .

                                                                                                                      ( وعن يميني نورا ، وعن شمالي نورا ، وأمامي نورا ، وخلفي نورا ، وفوقي نورا وتحتي نورا ) لأكون محفوفا بالنور من جميع الجهات ، وإيذانا بتجاوز النور عن قلبه [ ص: 326 ] وسمعه وبصره إلى سائر جهاته ، ليهتدي كل أتباعه .

                                                                                                                      ( وفي عصبي نورا ، وفي لحمي نورا ، وفي دمي نورا ، وفي شعري نورا ، وفي بشري ) أي : جلدي ( نورا ، وفي نفسي ) أي : ذاتي ( نورا ) أي اجعل لي نورا شاملا للأنوار السابقة وغيرها ( وأعظم لي نورا ) أي : أجذل من عطائك نورا عظيما لا يكتنه كنهه ( واجعل لي نورا ، اللهم أعطني نورا ، وزدني نورا ) .

                                                                                                                      روي عن ابن عباس { أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصلاة وهو يقول : اللهم اجعل في قلبي نورا ، وفي لساني نورا ، واجعل في بصري نورا ، واجعل من خلفي نورا ، ومن أمامي نورا ، واجعل فوقي نورا ومن تحتي نورا وأعطني نورا } رواه مسلم .

                                                                                                                      ( وإن سمع الإقامة لم يسع ) قال في المصباح : سعى في مشيه ، هرول وعدا في مشيه عدوا ، من باب قال قارب الهرولة وهو دون الجري وذلك لخبر أبي هريرة وتقدم ( فإن طمع في إدراك التكبيرة الأولى ، وهو أن يدرك الصلاة ) أي : موقفه للصلاة ( قبل ) أن يكبر الإمام ( تكبيرة الإحرام ليكون خلف الإمام إذا كبر للافتتاح فلا بأس أن يسرع شيئا ، ما لم تكن عجلة تقبح ) نص عليه .

                                                                                                                      واحتج بأنه جاء عن الصحابة وهم مختلفون ( وإن خشي فوات الجماعة أو الجمعة بالكلية فلا ينبغي أن يكره ) له ( الإسراع لأن ذلك لا ينجبر إذا فات هذا معنى كلام الشيخ في شرح العمدة .

                                                                                                                      وتأتي فضيلة إدراك التكبيرة الأولى في ) باب ( صلاة الجماعة فإذا دخل المسجد استحب له أن يقدم رجله اليمنى ) في الدخول ، لما تقدم { أنه صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن في شأنه كله وأن يقول عند دخول المسجد بسم الله } رواه أبو داود { أعوذ بالله العظيم ، وبوجهه الكريم ، وسلطانه القديم : من الشيطان الرجيم } رواه أبو داود لكن ليس فيه { وسلطانه القديم } .

                                                                                                                      { الحمد لله } رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة ( { اللهم صل وسلم على محمد } ) رواه أبو داود وليس فيه " وسلم " { اللهم اغفر لي ذنوبي } رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة { وافتح لي أبواب رحمتك } رواه مسلم .

                                                                                                                      { وإذا خرج قدم رجله اليسرى في الخروج من المسجد وقال بسم الله ، اللهم صل وسلم على محمد اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك ويقول أيضا : اللهم إني أعوذ بك من إبليس وجنوده } لما روى ابن السني في عمل اليوم والليلة عن أبي أمامة مرفوعا قال { إن أحدكم إذا أراد أن يخرج من المسجد تداعت جنود إبليس واجتلبت إليه كما يجتمع النحل على يعسوبها فإذا قام أحدكم على باب المسجد فليقل : اللهم إني أعوذ بك من إبليس وجنوده فإنها لم تضره } .

                                                                                                                      واليعسوب : ذكر النحل وقيل : أميرها .

                                                                                                                      ( فإذا [ ص: 327 ] دخل المسجد لم يجلس حتى يصلي ركعتين تحية المسجد ، إن كان في غير وقت نهي ويأتي ) ذلك ( آخر الجمعة ) لحديث أبي قتادة مرفوعا { إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين } متفق عليه .

                                                                                                                      ( ويجلس مستقبل القبلة لأنه خير المجالس ) للخبر ( ولا يفرقع أصابعه ) لأنه في صلاة ما انتظر الصلاة ( ويشتغل بالطاعة من الصلاة والقراءة والذكر أو يسكت ) إن لم يشتغل بذلك والاشتغال بذلك أفضل .

                                                                                                                      ( ويكره أن يخوض في حديث الدنيا ) فإنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب كما في الخبر ( فما دام كذلك ) أي : مشتغلا بالصلاة والذكر أو ساكتا منتظرا للصلاة ( فهو في صلاة والملائكة تستغفر له ما لم يؤذ أو يحدث ) للخبر .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية