الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 221 ] 748 - باب بيان مشكل مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلاوته وكان الإنسان أكثر شيء جدلا ، عند قول علي عليه السلام لما قال له ولفاطمة عليهما السلام : ألا تصليان ، إنما أنفسنا بيد الله عز وجل إن شاء أن يبعثنا بعثنا .

4763 - حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، قال : حدثنا شعيب بن الليث بن سعد ، عن أبيه ، عن عقيل بن خالد ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني علي بن الحسين أن حسين بن علي حدثه ، عن علي بن أبي طالب عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه هو وفاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ألا تصلون ؟ فقلت : يا رسول الله ، إنما أنفسنا بيد الله عز وجل إن شاء أن يبعثنا بعثنا ، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قلت له ذلك ، ولم يرجع إلي شيئا ، ثم سمعته وهو مدبر يضرب فخذه ويقول : وكان الإنسان أكثر شيء جدلا .

[ ص: 222 ]

4764 - وحدثنا يزيد بن سنان وإبراهيم بن أبي داود قالا : حدثنا أبو صالح عبد الله بن صالح ، قال : حدثني الليث بن سعد ، قال : حدثني عقيل بن خالد ثم ذكر بإسناده مثله .

4765 - وحدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا قتيبة بن سعيد ، قال : حدثني الليث ثم ذكر بإسناده مثله .

[ ص: 223 ]

4766 - وحدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا حنيفة بن مرزوق والوليد بن صالح قالا : حدثنا ليث بن سعد ، عن عقيل ثم ذكر بإسناده مثله ، غير أنه لم يقل في حديثه وهو يضرب فخذه .

4767 - وحدثنا أحمد بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا عمي عبد الله بن وهب ، عن إبراهيم بن سعد الزهري ، عن صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب ، ثم ذكر بإسناده مثله .

4768 - وحدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا بشر بن النعمان الحراني ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، قال : حدثني الزهري أن علي بن حسين أخبره ، عن أبيه ، عن علي بن أبي طالب عليه السلام ، ثم ذكر مثل حديثي أحمد بن عبد الرحمن اللذين ذكرناهما في هذا الباب .

[ ص: 224 ]

4769 - وحدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن سعد ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن ابن إسحاق ، قال : حدثني حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف ، عن محمد بن مسلم بن شهاب ، عن علي بن حسين ، عن أبيه ، عن جده علي بن أبي طالب عليه السلام ، ثم ذكر مثله .

قال أبو جعفر : فوقفنا بهذا الحديث على أن محمد بن إسحاق لم يحدث به بشر بن النعمان سماعا ، وعلى أنه إنما حدثه به تدليسا ، فتأملنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : وكان الإنسان أكثر شيء جدلا ، لما قال له علي ما قال مما ذكر عنه في هذا الحديث ، هل كان ذلك لكراهية منه ما قال له من ذلك ، أم لما سواه ، فوجدناه صلى الله عليه وسلم قد قال له بلال لما ناموا عن صلاة الصبح حتى طلعت عليهم الشمس بعد أن كان بلال قال له في الليل : أنا أوقظكم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أين ما قلت يا بلال ؟ فقال له بلال : أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك ، فلم ينكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله عليه ، وقد ذكرنا هذا الحديث بإسناده في ما تقدم منا في كتابنا هذا .

[ ص: 225 ] فعقلنا بذلك : أن الذي كان منه صلى الله عليه وسلم من تلاوته وكان الإنسان أكثر شيء جدلا حين قال له علي ما ذكرناه عنه مما قاله له في هذا الحديث ، لم يكن لكراهيته إياه منه ، وكيف ينكره منه وهو حق ؟ وأن ذلك كان منه على إعجابه إياه منه ، لأنه لما قال له ولابنته عليهما السلام : ألا تصليان ، مريدا به منهما أن يأخذا بحظهما من الصلاة في الليل ، وأن لا يتشاغلا عن ذلك بنوم ولا بغيره ، فقال له علي عند ذلك : إنما أنفسنا بيد الله يبعثها متى شاء ، أي : أنا لم ندع ما دعوتنا إليه وحضضتنا عليه مما هو خير لنا مما نحن عليه اختيارا منا ، لما نحن عليه على ما دعوتنا إليه ، ولكن النوم الذي لا حيلة لنا في دفعه عن أنفسنا ، لأنه شيء يحل بنا من الله عز وجل ، مما لا نستطيع دفعه عن أنفسنا ، فكان ذلك القول من علي عليه السلام أحسن ما يكون من الجواب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما خاطبه وزوجته به ، فكان من رسول الله صلى الله عليه وسلم تلاوته ما تلاه مما ذكر عنه في هذا الحديث ، لإعجابه بذلك من علي ، ولأن فيما تلاه من القرآن ما يدل على أن الإنسان يكون منه من الجدل ما يكون في أحسن ما يكون من الجواب للكلام الذي تكلم به ، ومما هو محمود منه ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية