الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ص: 188 ] [ بيد ]

                                                          بيد : باد الشيء يبيد بيدا وبيادا وبيودا وبيدودة ، الأخيرة عن اللحياني : انقطع وذهب . وباد يبيد بيدا إذا هلك . وبادت الشمس بيودا : غربت ، منه ، حكاه سيبويه . وأباده الله أي أهلكه . وفي الحديث : فإذا هم بديار باد أهلها أي هلكوا وانقرضوا . وفي حديث الحور العين : نحن الخالدات فلا نبيد ، أي لا نهلك ولا نموت . والبيداء : الفلاة . والبيداء : المفازة المستوية يجرى فيها الخيل ، وقيل : مفازة لا شيء فيها ، ابن جني : سميت بذلك لأنها تبيد من يحلها . ابن شميل : البيداء المكان المستوي المشرف ، قليلة الشجر جرداء تقود اليوم ونصف يوم وأقل ، وإشرافها شيء قليل لا تراها إلا غليظة صلبة ، لا تكون إلا في أرض طين وفي حديث الحج : بيداؤكم هذه التي يكذبون فيها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البيداء : المفازة لا شيء بها ، وهي ههنا اسم موضع مخصوص بين مكة والمدينة وأكثر ما ترد ويراد بها هذه ومنه الحديث : إن قوما يغزون البيت فإذا نزلوا بالبيداء بعث الله جبريل فيقول : يا بيداء أبيديهم فتخسف بهم أي أهلكيهم . وفي ترجمة قطرب : المتلف القفر ؛ سمي بذلك لأنه يتلف سالكه في الأكثر ، كما سموا الصحراء بيداء لأنها تبيد سالكها ، والإبادة : الإهلاك ، والجمع بيد . كسروه تكسير الصفات لأنه في الأصل صفة ، ولو كسروه تكسير الأسماء فقيل بيداوات لكان قياسا ، فأما ما أنشده أبو زيد في نوادره :


                                                          هل تعرف الدار ببيدا إنه دار لليلى قد تعفت إنه



                                                          قال ابن سيده : إن قال قائل : ما تقول في قوله بيدا إنه ؟ هل يجوز أن يكون صرف بيداء ضرورة فصارت في التقدير ببيداء ثم إنه شدد التنوين ضرورة على حد التثقيل في قوله :


                                                          ضخم يحب الخلق الأضخما



                                                          فلما ثقل التنوين واجتمع ساكنان فتح الثاني من الحرفين لالتقائهما ، ثم ألحق الهاء لبيان الحركة كإلحاقها في هنه ؟ فالجواب : أن هذا غير جائز في القياس ، وذلك أن هذا التثقيل إنما أصله أن يلحق في الوقف ، ثم إن الشاعر اضطر إلى إجراء الوصل مجرى الوقف كما حكاه سيبويه من قولهم في الضرورة " سبسبا وكلكدا " ونحوه ، فأما إذا كان الحرف مما لا يثبت في الوقف البتة مخففا ، فهو من التثقيل في الوصل أو في الوقف أبعد ، ألا ترى أن التنوين مما يحذفه الوقف فلا يوجد فيه البتة ، فإذا لم يوجد في الوقف أصلا فلا سبيل إلى تثقيله ، لأنه إذا انتفى الأصل الذي هو التخفيف هنا ، فالفرع الذي هو التثقيل أشد انتفاء ، وأجاز أبو علي في هذا ثلاثة أوجه : فأحدها أن يكون أراد ببيدا ثم ألحق الخفيفة وهي التي تلحق الإنكار ، نحو ما حكاه سيبويه من قول بعضهم ، وقيل له : أتخرج إن أخصبت البادية ؟ فقال : أأنا إنيه ؟ منكرا لرأيه أن يكون على خلاف أن يخرج ، كما تقول : ألمثلي يقال هذا ؟ أنا أول خارج إليها ، فكذلك هذا الشاعر أراد : أمثلي يعرف ما لا ينكره ، ثم إنه شدد النون في الوقف ثم أطلقها وبقي التثقيل بحاله فيها على حد سبسبا ، ثم ألحق الهاء لبيان الحركة نحو كتابيه وحسابيه واقتده ، والوجه الآخر أن يكون أراد إن التي بمعنى نعم في قوله :


                                                          ويقلن شيب قد علا     ك وقد كبرت فقلت إنه



                                                          أي نعم ، والوجه الثالث أن يكون أراد إن التي تنصب الاسم وترفع الخبر وتكون الهاء في موضع نصب لأنها اسم إن ، ويكون الخبر محذوفا كأنه قال : إن الأمر كذلك فيكون في قوله بيدا إنه قد أثبت أن الأمر كذلك في ثلاثة الأوجه ، لأن إن التي للإنكار مؤكدة موجبة ، ونعم أيضا كذلك ، وإن الناصبة أيضا كذلك ، ويكون قصر ببيداء في هذه ثلاثة الأوجه كما قصر الآخر ما مدته للتأنيث في نحو قوله :


                                                          لا بد من صنعا وإن طال السفر



                                                          قال أبو علي : ولا يجوز أن تكون الهمزة في بيدا إنه هي همزة بيداء لأنه إذا جر الاسم غير المنصرف ولم يكن مضافا ولا فيه لام المعرفة وجب صرفه وتنوينه ، ولا تنوين هنا لأن التنوين إنما يفعل ذلك بحرف الإعراب دون غيره ، وأجاز أيضا في تعفت إنه هذه الأوجه الثلاثة التي ذكرناها . والبيدانة : الحمارة الوحشية أضيفت إلى البيداء ، والجمع البيدانات . وأتان بيدانة : تسكن البيداء . والبيدانة : الأتان اسم لها ، قال الشاعر :


                                                          ويوما على صلت الجبين مسحج     ويوما على بيدانة أم تولب



                                                          يريد حمار وحش . والصلت : الواضح الجبين . والمسحج : المعضض ، ويروى :

                                                          فيوما على سرب نقي جلوده

                                                          يعني بالسرب القطيع من بقر الوحش يريد يوما أغير بهذا الفرس على بقر وحش أو حمير وحش . وفي تسمية الأتان البيدانة قولان : أحدهما : إنها سميت بذلك لسكونها البيداء ، وتكون النون فيها زائدة ، وعلى هذا القول جمهور أهل اللغة ، والقول الثاني : إنها العظيمة البدن ، وتكون النون فيها أصلية . وبيد : بمعنى غير ، يقال : رجل كثير المال بيد أنه بخيل معناه غير أنه بخيل حكاه ابن السكيت ، وقيل : هي بمعنى على ، حكاه أبو عبيد . قال ابن سيده : والأول أعلى ، وأنشد الأموي لرجل يخاطب امرأة :


                                                          عمدا فعلت ذاك بيد أني     إخال إن هلكت لم ترني



                                                          يقول على أني أخاف ذلك . وفي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : أنا أفصح العرب بيد أني من قريش ، ونشأت في بني سعد ، بيد : بمعنى غير ، وفي حديث آخر : نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم ، قال الكسائي : قوله بيد معناه غير ، وقيل : معناه على أنهم وقد جاء في بعض الروايات بايد أنهم ، قال ابن الأثير : ولم أره في اللغة بهذا المعنى . وقال بعضهم : إنها بأيد أي بقوة ، ومعناه نحن السابقون إلى الجنة يوم القيامة بقوة أعطاناها الله وفضلنا بها ، قال أبو عبيد : وفيه لغة أخرى ميد ، بالميم ، كما قالوا : أغمطت عليه الحمى وأغبطت ، وسبد رأسه وسمده . [ ص: 189 ] وبيدان : اسم رجل ، حكاه ابن الأعرابي ؛ وأنشد :


                                                          متى أنفلت من دين بيدان لا يعد     لبيدان دين في كرائم ماليا
                                                          على أنني قد قلت من ثقة به     ألا إنما باعت يميني شماليا



                                                          وبيداء : موضع بين مكة والمدينة ، قال الأزهري : وبين المسجدين أرض ملساء اسمها البيداء ، وفي الحديث : إن قوما يغزون البيت فإذا نزلوا البيداء بعث الله عليهم جبريل - عليه السلام - فيقول : يا بيداء بيدي بهم ، وفي رواية : أبيديهم ، فتخسف بهم . وبيدان : موضع ؛ قال :


                                                          أجدك لن ترى بثعيلبات     ولا بيدان ناجية ذمولا



                                                          استعمل لن في موضع لا .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية