الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 110 ]

باب

في بيان أن من حقق التوحيد دخل الجنة والدعاء إلى كلمة الشهادة

قال الله تعالى: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا خالدين فيها لا يبغون عنها حولا [الكهف: 107-108].

إلى قوله: إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا [الكهف: 110].

دلت الآية الكريمة على أن تحقيق التوحيد في عدم الإشراك في عبادة الرب.

لما تقدم أن التوحيد قسمان: توحيد العبادة لله تعالى وحده، وتوحيد الربوبية.

فمن لم يشرك في عبادة الرب أحدا، فقد حقق التوحيد، وكان له جنة الفردوس نزلا، يخلد فيه أبدا.

وإنما استحق هذه المنزلة للإيمان، والعمل الصالح الذي رأسه عدم الشرك بالله تعالى؛ لأن من أشرك بالله شيئا في ربوبيته، أو عبادته، فهو مشرك، وليس له عمل صالح أصلا، وإن أتى بأعمال يظنها صالحات، ولا تنفعه تلك الأعمال مع الشرك.

وصاحب التوحيد، وإن قصر في الأعمال، فقد جاء بأكمل العمل، وأفضل الإيمان، وهو التوحيد الذي هو رأس الطاعات، وأساس الصالحات.

قال الجنيد -قدس سره-: التوحيد: إفراد القديم من المحدث.

وقال أبو القاسم التميمي: التوحيد: مصدر: وحد، يوحد. [ ص: 111 ]

ومعنى وحدت الله: اعتقدته منفردا بذاته، وصفاته، لا نظير له، ولا شبه.

وقيل: معنى وحدته: علمته واحدا.

وقيل: سلبت عنه الكيفية، والكمية، فهو واحد في ذاته لا انقسام له، وفي صفاته لا شبيه له، وفي إلهيته، وملكه، وتدبيره لا شريك له، ولا رب سواه، ولا خالق غيره.

رؤوس البدعة

ورؤوس البدعة فرق أربع:

الجهمية: ولم يردوا التوحيد، وإنما اختلفوا في تفسيره.

وقد عقد أمير المؤمنين في الحديث النبوي محمد بن إسماعيل البخاري في «صحيحه»: كتاب التوحيد، وزاد المستملي: الرد على الجهمية، وغيرهم.

ولفظ ابن التين كتاب: رد الجهمية وغيرهم التوحيد.

والمراد بقوله: «وغيرهم»: الرافضة.

وظاهره معترض؛ لأن الجهمية، والقدرية، والخوارج، والرافضة لم يردوا التوحيد.

وقد سمى المعتزلة أنفسهم: أهل العدل والتوحيد، وعنوا بالتوحيد: ما اعتقدوه من نفي الصفات الإلهية؛ لاعتقادهم أن إثباتها يستلزم التشبيه، ومن شبه الله بخلقه، فقد أشرك، وهم في هذا النقي موافقون للجهمية.

التالي السابق


الخدمات العلمية