الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى ( وسع كرسيه السماوات والأرض )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى " الكرسي " الذي أخبر الله - تعالى ذكره - في هذه الآية أنه وسع السموات والأرض .

فقال بعضهم : هو علم الله - تعالى ذكره - .

ذكر من قال ذلك :

5787 - حدثنا أبو كريب وسلم بن جنادة ، قالا : حدثنا ابن إدريس ، عن مطرف ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : " وسع كرسيه " قال : كرسيه علمه .

5788 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا مطرف ، [ ص: 398 ] عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس مثله . وزاد فيه : ألا ترى إلى قوله : " ولا يئوده حفظهما " ؟

وقال آخرون : " الكرسي " : موضع القدمين .

ذكر من قال ذلك :

5789 - حدثني علي بن مسلم الطوسي قال : حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال : حدثني أبي ، قال : حدثني محمد بن جحادة ، عن سلمة بن كهيل ، عن عمارة بن عمير ، عن أبي موسى قال : الكرسي : موضع القدمين ، وله أطيط كأطيط الرحل .

5790 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " وسع كرسيه السماوات والأرض " فإن السموات والأرض في جوف الكرسي ، والكرسي بين يدي العرش ، وهو موضع قدميه .

5791 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك قوله : " وسع كرسيه السماوات والأرض " قال : كرسيه الذي يوضع تحت العرش ، الذي يجعل الملوك عليه أقدامهم .

5792 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، عن سفيان ، عن عمار الدهني ، عن مسلم البطين قال : الكرسي : موضع القدمين . [ ص: 399 ]

5793 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " وسع كرسيه السماوات والأرض " قال : لما نزلت : " وسع كرسيه السموات والأرض " قال أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - : يا رسول الله هذا الكرسي وسع السموات والأرض ، فكيف العرش ؟ فأنزل الله تعالى : ( وما قدروا الله حق قدره ) إلى قوله : ( سبحانه وتعالى عما يشركون ) [ الزمر : 67 ] .

5794 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " وسع كرسيه السماوات والأرض " قال ابن زيد : فحدثني أبي قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما السموات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس " . قال : وقال أبو ذر : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض .

وقال آخرون : الكرسي : هو العرش نفسه .

ذكر من قال ذلك :

5795 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك قال : كان الحسن يقول : الكرسي هو العرش .

قال أبو جعفر : ولكل قول من هذه الأقوال وجه ومذهب ، غير أن الذي هو أولى بتأويل الآية ما جاء به الأثر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ما : - [ ص: 400 ]

5796 - حدثني به عبد الله بن أبي زياد القطواني قال : حدثنا عبيد الله بن موسى قال : أخبرنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن خليفة قال : أتت امرأة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : ادع الله أن يدخلني الجنة ! فعظم الرب - تعالى ذكره - ثم قال : إن كرسيه وسع السموات والأرض ، وإنه ليقعد عليه فما يفضل منه مقدار أربع أصابع - ثم قال بأصابعه فجمعها - وإن له أطيطا كأطيط الرحل الجديد ، إذا ركب من ثقله " .

5797 - حدثني عبد الله بن أبى زياد قال : حدثنا يحيى بن أبي بكر ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن خليفة ، عن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحوه .

5798 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن خليفة قال : جاءت امرأة ، فذكر نحوه . [ ص: 401 ]

وأما الذي يدل على صحته ظاهر القرآن فقول ابن عباس الذي رواه جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، عنه أنه قال : " هو علمه " . وذلك لدلالة قوله - تعالى ذكره - : " ولا يئوده حفظهما " على أن ذلك كذلك ، فأخبر أنه لا يئوده حفظ ما علم ، وأحاط به مما في السموات والأرض ، وكما أخبر عن ملائكته أنهم قالوا في دعائهم : ( ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما ) [ غافر : 7 ] [ ص: 402 ] فأخبر - تعالى ذكره - أن علمه وسع كل شيء ، فكذلك قوله : " وسع كرسيه السموات والأرض " .

قال أبو جعفر : وأصل " الكرسي " العلم . ومنه قيل للصحيفة يكون فيها علم مكتوب " كراسة " ومنه قول الراجز في صفة قانص :


حتى إذا ما احتازها تكرسا



.

يعني علم . ومنه يقال للعلماء " الكراسي " ؛ لأنهم المعتمد عليهم ، كما يقال : " أوتاد الأرض " . يعني بذلك أنهم العلماء الذين تصلح بهم الأرض ، ومنه قول الشاعر :


يحف بهم بيض الوجوه وعصبة     كراسي بالأحداث حين تنوب


يعني بذلك : علماء بحوادث الأمور ونوازلها . والعرب تسمي أصل كل شيء " الكرس " يقال منه : " فلان كريم الكرس " أي كريم الأصل ، قال العجاج : [ ص: 403 ]


قد علم القدوس مولى القدس     أن أبا العباس أولى نفس
بمعدن الملك الكريم الكرس



يعني بذلك : الكريم الأصل . ويروى :


في معدن العز الكريم الكرس



التالي السابق


الخدمات العلمية