الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( باب صلاة المريض ) ذكرها عقب سجود السهو لأنها من العوارض السماوية والأول أعم موقعا لشموله المريض والصحيح فكانت الحاجة إلى بيانه أمس فقدمه وتصور مفهوم المرض ضروري إذ لا شك أن فهم المراد من لفظ المرض أجلى من فهمه من قولنا معنى يزول بحلوله في بدن الحي اعتدال الطبائع الأربع بل ذلك يجري مجرى التعريف بالأخفى وعرفه في كشف الأسرار بأنه حالة للبدن خارجة عن المجرى الطبيعي والإضافة فيه من باب إضافة الفعل إلى فاعله كقيام زيد أو إلى محله كتحريك الخشب ( قوله تعذر عليه القيام أو خاف زيادة المرض صلى قاعدا يركع ويسجد ) لقوله تعالى { الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم } قال ابن مسعود وجابر وابن عمر الآية نزلت في الصلاة أي قياما إن قدروا وقعودا إن عجزوا عنه وعلى جنوبهم إن عجزوا عن القعود ولحديث عمر بن حصين أخرجه الجماعة إلا مسلما { قال كانت بي بواسير فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فقال صلى الله عليه وسلم صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنبك } زاد النسائي { فإن لم تسطيع فمستلقيا لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } ثم المصنف رحمه الله أراد بالتعذر التعذر الحقيقي بحيث لو قام سقط بدليل أنه عطف عليه التعذر الحكمي وهو خوف زيادة المرض واختلفوا في التعذر فقيل ما يبيح الإفطار وقيل التيمم وقيل بحيث لو قام سقط وقيل ما يعجزه عن القيام بحوائجه والأصح أن يلحقه ضرر بالقيام كذا في النهاية والمجتبى وغيرهما وإذا كان التعذر أعم من الحقيقي والحكمي فلا حاجة إلى جعل التعذر بمعنى التعسر وإنهم لا يريدون به عدم الإمكان كما في الذخيرة

                                                                                        وفي المجتبى حد المرض المسقط للقيام والجمعة والمبيح للإفطار والتيمم زيادة العلة أو امتداد المرض أو اشتداده أو يجد به وجعا ا هـ .

                                                                                        قيد بتعذر القيام أي جميعه لأنه لو قدر عليه متكئا أو متعمدا على عصا أو حائط لا يجزئه إلا كذلك خصوصا على قولهما فإنهما يجعلان قدرة الغير قدرة له قال الهندواني إذا قدر على بعض القيام يقوم ذلك ولو قدر آية أو تكبيرة ثم يقعد وإن لم يفعل ذلك خفت أن تفسد صلاته هذا هو المذهب ولا يروى عن أصحابنا خلافه وكذا إذا عجز عن القعود وقدر على الاتكاء والاستناد إلى إنسان أو إلى حائط أو إلى وسادة لا يجزئه إلا كذلك ولو استلقى لا يجزئه ودخل تحت العجز الحكمي ما لو صام رمضان صلى قاعدا وإن أفطر صلى قائما يصوم ويصلي قاعدا وما لو عجز عن السجود وقدر على القيام فإنه لا يجب عليه القيام وما لو صلى قائما سلس بوله ولو صلى قاعدا لا فإنه يصلي قاعدا بخلاف ما لو كان لو قام أو قعد سال بوله ولو استلقى لا فإنه يصلي قاعدا ولا يستلقي لأنها مستلقيا لا تجوز عند الاختيار بحال كما لا تجوز مع الحدث فاستويا وتمامه في المحيط وما لو كان في بطنها ولد فأخرجت [ ص: 122 ] إحدى يديه وتخاف خروج الوقت تصلي بحيث لا يلحق الولد ضرر لأن الجمع بين حق الله وحق الولد ممكن كما في التجنيس وما لو خاف من العدو إن صلى قائما أو كان في خباء لا يستطيع أن يقيم صلبه فيه وإن خرج لم يستطع أن يصلي من الطين والمطر أنه يصلي قاعدا ومن به أدنى علة وهو في طريق فخاف إن نزل عن المحمل للصلاة بقي في الطريق فإنه يجوز أن يصلي الفرائض على محمله وكذا المريض الراكب إذا لم يقدر على النزول ولا على من ينزله بخلاف ما لو قدر على من ينزله واختلف المشايخ فيما إذا كان يستطيع القيام لو صلى في بيته ولو خرج إلى الجماعة يعجز عن القيام والأصح أنه يخرج إلى الجماعة ويصلي قاعدا كذا في الولوالجية وقدمنا في باب صفة الصلاة أن الفتوى على خلافه .

                                                                                        [ ص: 121 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 121 ] باب صلاة المريض )

                                                                                        ( قوله إذا كان التعذر أعم إلخ ) قال في النهر أقول : حيث أراد به الحقيقي لزم أن يكون بمعنى أن يكون التعسر لما قد علمت . ا هـ .

                                                                                        قلت ولا يخفى ما فيه والذي يظهر أنه أن أريد به حقيقته وهو ما ذكره أنه مراد المصنف ونقله في الشرنبلالية عن الكافي أي بحيث لو قام سقط لا يكون المراد منه التعسر لأن المراد منه ما يمكن بمشقة وعلى ذلك المعنى المراد ما لا يمكن أصلا فهو غيره وإن أريد به غير ما أراده المصنف أعني الأعم من الحقيقي والحكمي فلا حاجة إلى جعله بمعنى التعسر كما ذكر المؤلف وإن أريد منه ما هو الأصح أي بأن يلحقه ضرر بالقيام لزم أن يكون بمعنى التعسر تأمل ( قوله متكئا ) أي على خادم له كما في الخلاصة قلت ويشكل هذا على أصل أبي حنيفة رحمه الله من عدم اعتبار القدرة بالغير وقد ذكر المؤلف في مسألة ما لو وجد من يوضئه ولو زوجته أو غيرها لا يجزئه التيمم في ظاهر المذهب فنقل عن التجنيس هناك أن الفرق بين هذه وبين ما لو وجد قوما يستعين بهم في الإقامة والثبات جاز له الصلاة قاعدا أنه يخاف على المريض زيادة الوجع في قيامه ولا يلحقه زيادة الوجع في الوضوء إلا أن يراد بالغير غير الخادم كما يشعر به ما نقلناه عن الخلاصة تأمل وتقدم في باب التيمم ما يوضحه فراجعه .




                                                                                        الخدمات العلمية