الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 263 ] 753 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في القاتل في الحرب ، من يقتله من العدو ، هل يستحق بذلك سلبه أم لا ؟

4785 - حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا عبد الله بن وهب أن مالكا حدثه ، عن يحيى بن سعيد ، عن عمر بن كثير بن أفلح ، عن أبي محمد مولى أبي قتادة ، عن أبي قتادة بن ربعي أنه قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حنين ، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة ، قال : فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين ، فاستدرت له حتى أتيته من ورائه فضربته بالسيف على حبل عاتقه ضربة ، حتى قططت الدرع ، فأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ، ثم أدركه الموت ، فأرسلني ، فلقيت عمر بن الخطاب ، فقلت : ما بال الناس ؟ فقال : أمر الله - عز وجل . ثم إن الناس رجعوا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قتل قتيلا له عليه بينة ، فله سلبه . فقمت ، فقلت : من يشهد لي ؟ ثم جلست ، ثم قال ذلك الثانية ، ثم قال ذلك الثالثة ، فقمت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما لك يا أبا قتادة ، فاقتصصت عليه القصة ، فقال رجل من القوم : صدق يا رسول الله ، وسلب ذلك القتيل عندي ، فأرضه منه يا رسول الله ، فقال أبو بكر الصديق : لا ، ها الله إذا لا يعمد إلى [ ص: 264 ] أسد من أسد الله يقاتل عن الله ، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم ، فيعطيك سلبه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صدق ، فأعطاه إياه ، فقال أبو قتادة : فأعطانيه ، فبعت الدرع ، فابتعت به مخرفا في بني سلمة ، فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام .

[ ص: 265 ] [ ص: 266 ] فقال قائل : في هذا الحديث ، دليل على استحقاق القاتل سلب من قتله من العدو ، كان الإمام قال قبل ذلك : من قتل قتيلا فله سلبه . أو لم يكن قاله ; لأن في هذا الحديث من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قتل قتيلا له عليه بينة ، فله سلبه . فهذا يدل على قتل متقدم لذلك القول .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله - عز وجل - وعونه : أنه يجوز أن يكون ذلك القول كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول كان تقدم منه قبل ذلك : من قتل قتيلا فله سلبه " . فقال ما قال في هذا الحديث ليعلم من [ ص: 267 ] القاتلون ، فيدفع إليهم أسلاب قتلاهم .

فنظرنا في ذلك : هل روي فيه شيء يدل عليه أم لا ؟ فوجدنا .

4786 - ما قد حدثنا بكار بن قتيبة وإبراهيم بن مرزوق قالا : أخبرنا أبو داود الطيالسي ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك ، قال : لما كان يوم حنين ، جاءت هوازن بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإبل والغنم والنساء والصبيان ، فانهزم المسلمون يومئذ ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يا معشر المهاجرين ، أنا عبد الله ورسوله ، يا معشر الأنصار ، أنا عبد الله ورسوله " . فهزم الله المشركين من غير أن يطعن برمح ، أو يضرب بسيف ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ : من قتل مشركا فله سلبه .

فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين ، فأخذ أسلابهم ، قال أبو قتادة : يا رسول الله ، إني ضربت رجلا على حبل العاتق ، فأجهضت عنه ، وعليه درع له ، فانظر من أخذ الدرع ، فقام رجل ، فقال : يا رسول الله ، أنا أخذتها فأعطنيها ، وأرضه منها ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسأل شيئا إلا أعطاه ، أو سكت ، فقام عمر ، فقال : لا والله ، لا يفيئه الله - عز وجل - على أسد من أسده ، ثم يعطيكها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صدق عمر
.

[ ص: 268 ] قال أبو جعفر : فكان في هذا الحديث ، ما قد دل على تقدم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قتل قتيلا فله سلبه " . لأن هذا القول إنما كان عند انهزام الناس وتفرقهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعند حاجته إلى رجوعهم إليه ، فقال ذلك تحريضا لهم على قتل المشركين ، وعلى رجوعهم إليه .

وفي حديث أبي قتادة : " من قتل قتيلا له عليه بينة ، فله سلبه " . بعد أن رجعوا إليه ، فدل ذلك أن قوله الثاني الذي في حديث أبي قتادة إنما كان لقوله الأول الذي في حديث أنس بن مالك .

وفي ذلك ما قد دل أن من قتل قتيلا في الحرب لا يستحق سلبه إذا لم يكن كان الإمام قال قبل ذلك : " من قتل قتيلا ، فله سلبه " . كما يقوله أبو حنيفة وأصحابه ، ومالك وأصحابه في ذلك ، لا كما يقوله من خالفهما فيه ، والله - عز وجل - نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية