الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 653 ] وقعة أجنادين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وذلك أنه سار بجيشه وعلى ميمنته ابنه عبد الله بن عمرو ، وعلى ميسرته جنادة بن تميم المالكي ; من بني مالك بن كنانة ، ومعه شرحبيل ابن حسنة ، واستخلف على الأردن أبا الأعور السلمي ، فلما وصل إلى الرملة وجد عندها جمعا من الروم عليهم الأرطبون ، وكان أدهى الروم وأبعدها غورا ، وأنكاها فعلا ، وقد كان وضع بالرملة جندا عظيما وبإيلياء جندا عظيما ، فكتب عمرو إلى عمر بالخبر ، فلما جاءه كتاب عمرو قال : قد رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب ، فانظروا عما تنفرج . وبعث عمرو بن العاص علقمة بن حكيم الفراسي ، ومسروق بن فلان العكي على قتال أهل إيلياء ، وأبا أيوب المالكي إلى الرملة وعليها التذارق ، فكانوا بإزائهم ; ليشغلوهم عن عمرو بن العاص وجيشه ، وجعل عمرو كلما قدم عليه أمداد من جهة عمر يبعث منهم طائفة إلى هؤلاء وطائفة إلى هؤلاء ، وأقام عمرو على أجنادين لا يقدر من الأرطبون على سقطة ولا تشفيه الرسل ، فوليه بنفسه ، فدخل عليه كأنه رسول ، فأبلغه ما يريد وسمع كلامه وتأمل حصونه حتى عرف ما أراد ، وقال الأرطبون في نفسه : والله إن هذا لعمرو ، أو إنه الذي يأخذ عمرو برأيه ، وما كنت لأصيب القوم بأمر هو أعظم من قتله . فدعا حرسيا فساره فأمره بقتله . فقال : اذهب فقم في مكان كذا وكذا ، فإذا مر بك فاقتله . ففطن عمرو بن العاص ، فقال للأرطبون : أيها [ ص: 654 ] الأمير ، إني قد سمعت كلامك وسمعت كلامي ، وإني واحد من عشرة بعثنا عمر بن الخطاب ; لنكون مع هذا الوالي ؛ لنشهد أموره ، وقد أحببت أن آتيك بهم ; ليسمعوا كلامك ، ويروا ما رأيت . فقال الأرطبون : نعم ، فاذهب فائتني بهم . ودعا رجلا فساره فقال : اذهب إلى فلان فرده . وقام عمرو فذهب إلى جيشه ، ثم تحقق الأرطبون أنه عمرو بن العاص . فقال : خدعني الرجل ، هذا والله أدهى العرب . وبلغت عمر بن الخطاب فقال : غلبه عمرو ، لله در عمرو . ثم ناهضه عمرو ، فاقتتلوا بأجنادين قتالا عظيما كقتال اليرموك حتى كثرت القتلى بينهم ، ثم اجتمعت بقية الجيوش إلى عمرو بن العاص ، وذلك حين أعياهم صاحب إيلياء وتحصن منهم بالبلد ، وكثر جيشه ، فكتب أرطبون إلى عمرو بأنك صديقي ونظيري ، أنت في قومك مثلي في قومي ، والله لا تفتح من فلسطين شيئا بعد أجنادين ، فارجع ولا تغر ; فتلقى مثل ما لقي الذي قبلك من الهزيمة . فدعا عمرو رجلا يتكلم بالرومية فبعثه إلى أرطبون وقال : اسمع ما يقول لك ، ثم ارجع فأخبرني . وكتب إليه معه : جاءني كتابك وأنت نظيري ومثلي في قومك ، لو أخطأتك خصلة تجاهلت فضيلتي ، وقد علمت أني صاحب فتح هذه البلاد ، واقرأ كتابي هذا بمحضر من أصحابك ووزرائك . فلما وصله الكتاب جمع وزراءه ، وقرأ عليهم الكتاب ، فقالوا للأرطبون : من أين علمت أنه ليس بصاحب فتح هذه البلاد ؟ فقال : صاحبها رجل اسمه على ثلاثة أحرف . فرجع الرسول إلى عمرو فأخبره بما قال ، فكتب [ ص: 655 ] عمرو إلى عمر يستمده ويقول له : إني أعالج حربا كئودا صدوما ، وبلادا ادخرت لك ، فرأيك . فلما وصل الكتاب إلى عمر علم أن عمرا لم يقل ذلك إلا لأمر علمه ، فعزم عمر على الدخول إلى الشام لفتح بيت المقدس كما سنذكر تفصيله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال سيف بن عمر عن شيوخه : وقد دخل عمر الشام أربع مرات ; الأولى كان راكبا فرسا حين فتح بيت المقدس ، والثانية على بعير ، والثالثة وصل إلى سرع ، ثم رجع لأجل ما وقع بالشام من الوباء ، والرابعة دخلها على حمار . هكذا نقله ابن جرير عنه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية