الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون

                                                                                                                                                                                                                                      لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم اللغو في اليمين : الساقط الذي لا يتعلق به حكم ، وهو عندنا أن يحلف على شيء يظن أنه كذلك وليس كما يظن ، وهو قول مجاهد . قيل : كانوا حلفوا على تحريم الطيبات على ظن أنه قربة ، فلما نزل النهي قالوا : كيف بأيماننا ؟ فنزلت . وعند الشافعي رحمه الله تعالى : ما يبدو من المرء من غير قصد ، كقوله : لا والله ، وبلى والله ، وهو قول عائشة رضي الله تعالى عنها . و" في أيمانكم " صلة " يؤاخذكم " ، أو اللغو ; لأنه مصدر ، أو حال منه .

                                                                                                                                                                                                                                      ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ; أي : بتعقيدكم الأيمان وتوثيقها عليه بالقصد والنية ، والمعنى : ولكن يؤاخذكم بما عقدتموه إذا حنثتم ، أو بنكث ما عقدتم ، فحذف للعلم به ، وقرئ بالتخفيف ، وقرئ : ( عاقدتم ) بمعنى : عقدتم .

                                                                                                                                                                                                                                      فكفارته ; أي : فكفارة نكثه ، وهي الفعلة التي من شأنها أن تكفر الخطيئة وتسترها ، واستدل بظاهره على جواز التكفير قبل الحنث ، وعندنا لا يجوز ذلك ; لقوله صلى الله عليه وسلم : " من حلف على يمين ورأى غيرها خيرا ، فليأت الذي هو خير ثم ليكفر عن يمينه " .

                                                                                                                                                                                                                                      إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم ; أي : من أقصده في النوع ، أو المقدار ، وهو نصف صاع من بر لكل مسكين ، ومحله النصب ; لأنه صفة مفعول [ ص: 75 ] محذوف ، تقديره : أن تطعموا عشرة مساكين طعاما كائنا من أوسط ما تطعمون ، أو الرفع على أنه بدل من إطعام .

                                                                                                                                                                                                                                      و" أهلون " جمع أهل ، كأرضون جمع أرض ، وقرئ : ( أهاليكم ) بسكون الياء ، على لغة من يسكنها في الحالات الثلاث كالألف ، وهذا أيضا جمع أهل ، كالأراضي في جمع أرض ، والليالي في جمع ليل ، وقيل : جمع أهلاة .

                                                                                                                                                                                                                                      أو كسوتهم عطف على " إطعام " ، أو على محل " من أوسط " ، على تقدير كونه بدلا من إطعام . وهو ثوب يغطي العورة ، وقيل : ثوب جامع قميص ، أو رداء ، أو إزار . وقرئ بضم الكاف ، وهي لغة ، كقدوة في قدوة ، وإسوة في أسوة ، وقرئ : ( أو كأسوتهم ) على أن الكاف في محل الرفع ، تقديره : أو إطعامهم كأسوتهم ، بمعنى : أو كمثل ما تطعمون أهليكم إسرافا وتقتيرا تواسون بينهم ، وبينهم إن لم تطعموهم الأوسط .

                                                                                                                                                                                                                                      أو تحرير رقبة ; أي : ، أو إعتاق إنسان كيفما كان ، وشرط الشافعي رضي الله تعالى عنه فيه الإيمان ، قياسا على كفارة القتل ، ومعنى " أو " : إيجاب إحدى الخصال مطلقا ، وخيار التعيين للمكلف .

                                                                                                                                                                                                                                      فمن لم يجد ; أي : شيئا من الأمور المذكورة .

                                                                                                                                                                                                                                      فصيام ; أي : فكفارته صيام .

                                                                                                                                                                                                                                      ثلاثة أيام والتتابع شرط عندنا لقراءة ثلاثة أيام متتابعات ، والشافعي رضي الله عنه لا يرى الشواذ حجة .

                                                                                                                                                                                                                                      ذلك ; أي : الذي ذكر .

                                                                                                                                                                                                                                      كفارة أيمانكم إذا حلفتم ; أي : وحنثتم .

                                                                                                                                                                                                                                      واحفظوا أيمانكم بأن تضنوا بها ولا تبذلوها ، كما يشعر به قوله تعالى : " إذا حلفتم " . وقيل : بأن تبروا فيها ما استطعتم ، ولم يفت بها خير ، أو بأن تكفروها إذا حنثتم . وقيل : احفظوها كيف حلفتم بها ، ولا تنسوها تهاونا بها .

                                                                                                                                                                                                                                      كذلك إشارة إلى مصدر الفعل الآتي ، لا إلى تبيين آخر مفهوم مما سبق ، والكاف مقحمة لتأكيد ما أفاده اسم الإشارة من الفخامة ، ومحله في الأصل النصب على أنه نعت لمصدر محذوف ، وأصل التقدير : يبين الله تبيينا كائنا مثل ذلك التبيين ; فقدم على الفعل لإفادة القصر ، واعتبرت الكاف مقحمة للنكتة المذكورة ، فصار نفس المصدر لا نعتا له ، وقد مر تفصيله في قوله تعالى : وكذلك جعلناكم أمة وسطا ; أي : ذلك البيان البديع .

                                                                                                                                                                                                                                      يبين الله لكم آياته أعلام شريعته وأحكامه ، لا بيانا أدنى منه ، وتقديم " لكم " على المفعول لما مر مرارا .

                                                                                                                                                                                                                                      لعلكم تشكرون نعمته فيما يعلمكم ويسهل عليكم المخرج .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية