الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                    صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                    ( ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور ( 5 ) )

                                                                                                                                                                                                    قال ابن عباس : كانوا يكرهون أن يستقبلوا السماء بفروجهم ، وحال وقاعهم ، فأنزل الله هذه الآية . رواه البخاري من حديث ابن جريج ، عن محمد بن عباد بن جعفر ; أن ابن عباس قرأ : " ألا إنهم تثنوني صدورهم " ، فقلت : يا أبا عباس ، ما تثنوني صدورهم ؟ قال : الرجل كان يجامع امرأته فيستحيي - أو : يتخلى فيستحيي فنزلت : " ألا إنهم تثنوني صدورهم " .

                                                                                                                                                                                                    وفي لفظ آخر له : قال ابن عباس : أناس كانوا يستحيون أن يتخلوا ، فيفضوا إلى السماء ، وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء ، فنزل ذلك فيهم .

                                                                                                                                                                                                    ثم قال : حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، حدثنا عمرو قال : قرأ ابن عباس " ألا إنهم يثنوني صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم " . [ ص: 305 ]

                                                                                                                                                                                                    قال البخاري : وقال غيره ، عن ابن عباس : ( يستغشون ) يغطون رءوسهم .

                                                                                                                                                                                                    وقال ابن عباس في رواية أخرى في تفسير هذه الآية : يعني به الشك في الله ، وعمل السيئات ، وكذا روي عن مجاهد ، والحسن ، وغيرهم : أي أنهم كانوا يثنون صدورهم إذا قالوا شيئا أو عملوه ، يظنون أنهم يستخفون من الله بذلك ، فأعلمهم الله تعالى أنهم حين يستغشون ثيابهم عند منامهم في ظلمة الليل ، ( يعلم ما يسرون ) من القول : ( وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور ) أي : يعلم ما تكن صدورهم من النيات والضمائر والسرائر . وما أحسن ما قال زهير بن أبي سلمى في معلقته المشهورة :


                                                                                                                                                                                                    فلا تكتمن الله ما في نفوسكم ليخفى ، فمهما يكتم الله يعلم     يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر
                                                                                                                                                                                                    ليوم حساب ، أو يعجل فينقم



                                                                                                                                                                                                    فقد اعترف هذا الشاعر الجاهلي بوجود الصانع وعلمه بالجزئيات ، وبالمعاد وبالجزاء ، وبكتابة الأعمال في الصحف ليوم القيامة .

                                                                                                                                                                                                    وقال عبد الله بن شداد : كان أحدهم إذا مر برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثنى صدره ، وغطى رأسه فأنزل الله ذلك .

                                                                                                                                                                                                    وعود الضمير على الله أولى; لقوله : ( ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون ) .

                                                                                                                                                                                                    وقرأ ابن عباس : " ألا إنهم تثنوني صدورهم " ، برفع الصدور على الفاعلية ، وهو قريب المعنى .

                                                                                                                                                                                                    التالي السابق


                                                                                                                                                                                                    الخدمات العلمية