الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما

كتاب في أحكام الزنى

والنظر في أصول هذا الكتاب في حد الزنا ، وفي أصناف الزناة ، وفي العقوبات لكل صنف منهم ، وفيما تثبت به هذه الفاحشة .

الباب الأول

في حد الزنى

فأما الزنى فهو كل وطء وقع على غير نكاح ولا شبهة نكاح ولا ملك يمين ، وهذا متفق عليه بالجملة من علماء الإسلام ، وإن كانوا اختلفوا فيما هو شبهة تدرأ الحدود مما ليس بشبهة دارئة .

وفي ذلك مسائل نذكر منها أشهرها .

فمنها الأمة يقع عليها الرجل وله فيها شرك ، فقال مالك : يدرأ عنه الحد وإن ولدت ألحق الولد به وقومت عليه ، وبه قال أبو حنيفة ، وقال بعضهم يعزر ، وقال أبو ثور : عليه الحد كاملا إذا علم الحرمة .

وحجة الجماعة قوله - عليه الصلاة والسلام - : " ادرءوا الحدود بالشبهات " والذين درءوا الحدود اختلفوا هل يلزمه من صداق المثل بقدر نصيبه أم لا يلزم ؟

وسبب الخلاف : هل ذلك الذي يغلب منها حكمه على الجزء الذي لا يملك أم حكم الذي لا يملك يغلب على حكم الذي يملك ؟ فإن حكم ما ملك الحلية ، وحكم ما لم يملك الحرمية .

ومنها اختلافهم في الرجل المجاهد يطأ جارية من المغنم ، فقال قوم : عليه الحد ، ودرأ قوم عنه الحد وهو أشبه .

والسبب في هذه وفي التي قبلها واحد ، والله أعلم .

ومنها أن يحل رجل لرجل وطء خادمه ، فقال مالك : يدرأ عنه الحد ، وقال غيره : يعزر ، وقال بعض الناس : بل هي هبة مقبوضة والرقبة تابعة للفرج .

ومنها الرجل يقع على جارية ابنه أو ابنته ، فقال الجمهور : لا حد عليه لقوله - عليه الصلاة والسلام - لرجل خاطبه : " أنت ومالك لأبيك " ولقوله - عليه الصلاة والسلام - : " لا يقاد الوالد بالولد " ولإجماعهم على أنه لا يقطع فيما سرق من مال ولده ، ولذلك قالوا : تقوم عليه حملت أم لم تحمل ; لأنها قد حرمت على ابنه فكأنه استهلكها . [ ص: 747 ] ومن الحجة لهم أيضا إجماعهم على أن الأب لو قتل ابن ابنه لم يكن للابن أن يقتص من أبيه ، وكذلك كل من كان الابن له وليا .

ومنها الرجل يطأ جارية زوجته ، اختلف العلماء فيه على أربعة أقوال :

1 - فقال مالك والجمهور : عليه الحد كاملا .

2 - وقالت طائفة ليس عليه الحد وتقوم عليه فيغرمها لزوجته إن كانت طاوعته ، وإن كانت استكرهها قومت عليه وهي حرة ، وبه قال أحمد وإسحاق ، وهو قول ابن مسعود ، والأول قول عمر ، ورواه مالك في الموطأ عنه .

3 - وقال قوم : عليه مائة جلدة فقط سواء كان محصنا أم ثيبا .

4 - وقال قوم : عليه التعزير .

فعمدة من أوجب عليه الحد أنه وطئ دون ملك تام ولا شركة ملك ولا نكاح فوجب الحد .

وعمدة من درأ الحد ما ثبت أن رسول الله - عليه الصلاة والسلام - قضى في رجل وطئ جارية امرأته أنه إن كان استكرهها فهي حرة وعليه مثلها لسيدتها ، وإن كانت طاوعته فهي له ، وعليه لسيدتها مثلها .

وأيضا فإن له شبهة في مالها بدليل قوله - عليه الصلاة والسلام - : " تنكح المرأة لثلاث ، فذكر مالها " ، ويقوى هذا المعنى على أصل من يرى أن المرأة محجور عليها من زوجها فيما فوق الثلث ، أو في الثلث فما فوقه ، وهو مذهب مالك .

ومنها ما يراه أبو حنيفة من درء الحد عن واطئ المستأجرة ، والجمهور على خلاف ذلك ، وقوله في ذلك ضعيف ومرغوب عنه ، وكأنه رأى أن هذه المنفعة أشبهت سائر المنافع التي استأجرها عليها ، فدخلت الشبهة وأشبه نكاح المتعة .

ومنها درء الحد عمن امتنع اختلف فيه أيضا .

وبالجملة فالأنكحة الفاسدة داخلة في هذا الباب ، وأكثرها عند مالك تدرأ بالحد إلا ما انعقد منها على شخص مؤبد التحريم بالقرابة مثل الأم وما أشبه ذلك ، مما لا يعذر فيه بالجهل .

التالي السابق


الخدمات العلمية