الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                26 [ ص: 211 ] - باب

                                فضل صلاة الفجر

                                وفيه حديثان :

                                الأول :

                                547 573 - حدثنا مسدد : ثنا يحيى ، عن إسماعيل : ثنا قيس ، قال لي جرير بن عبد الله : كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ نظر إلى القمر ليلة البدر ، فقال : ( أما إنكم سترون ربكم كما ترون هذا لا تضامون - أو لا تضاهون - في رؤيته ، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ) . ثم قال : فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها .

                                التالي السابق


                                قد سبق هذا الحديث والكلام عليه في ( باب : فضل صلاة العصر ) ، وليس في هذه الرواية زيادة على ما في الرواية السابقة ، إلا الشك في ( تضامون أو تضاهون ) ، وقد سبق تفسير : تضامون .

                                وأما ( تضاهون ) : فإن كانت محفوظة ، فالمعنى - والله أعلم - : أنكم لا تشبهون به عند رؤيته شيئا من خلقه ; فإنه سبحانه وتعالى لا مثل له ولا عدل ولا كفء .

                                ويشهد لهذا : ما روى علي بن زيد بن جدعان ، عن عمارة القرشي ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( يجمع الله الأمم في صعيد واحد يوم القيامة ، ثم يأتينا ربنا ونحن على مكان مرتفع فيقول : من أنتم ؟ فنقول : نحن المسلمون . فيقول : ما تنتظرون . فنقول : ننتظر ربنا عز وجل ، فيقول : وهل تعرفونه إن رأيتموه ؟ فنقول : نعم ; إنه لا عدل له ، فيتجلى لنا ضاحكا ، فيقول : أبشروا معاشر المسلمين ; فإنه ليس منكم أحد إلا جعلت في النار يهوديا أو نصرانيا مكانه ) .

                                [ ص: 212 ] خرجه الإمام أحمد .

                                وخرجه أبو بكر الآجري في كتاب ( التصديق بالنظر ) ، ولفظه : ( فيقولون : إن لنا ربا كنا نعبده في الدنيا لم نره . قال : وتعرفونه إذا رأيتموه ؟ فيقولون : نعم . فيقال لهم : وكيف تعرفونه ولم تروه ؟ قالوا : إنه لا شبه له ، فيكشف لهم الحجاب ، فينظرون إلى الله عز وجل ، فيخرون له سجدا ) - وذكر الحديث .

                                وروى أبو حمة محمد بن يوسف : حدثنا أبو قرة الزبيدي ، عن مالك بن أنس ، عن زياد بن سعد ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله ، يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( إذا كان يوم القيامة جمعت الأمم ، ودعي كل أناس بإمامهم ) - فذكر الحديث بطوله ، إلى أن قال : ( حتى يبقى المسلمون ، فيقف عليهم ، فيقول : من أنتم ؟ فيقولون : نحن المسلمون . قال : خير اسم وخير داعية . فيقول : من نبيكم ؟ فيقولون : محمد ، فيقول : ما كتابكم ؟ فيقولون : القرآن ، فيقول : ما تعبدون ؟ فيقولون : نعبد الله وحده ، لا شريك له . قال : سينفعكم ذلك إن صدقتم . قالوا : هذا يومنا الذي وعدنا . فيقول : أتعرفون الله إن رأيتموه ؟ فيقولون : نعم . فيقول : وكيف تعرفونه ولم تروه ؟ فيقولون : نعلم أنه لا عدل له . قال : فيتجلى لهم تبارك وتعالى ، فيقولون : أنت ربنا تباركت أسماؤك ، ويخرون له سجدا ، ثم يمضي النور بأهله ) .

                                خرجه أبو إسماعيل الأنصاري في ( كتاب الفاروق ) .

                                وروى شعبة ، عن إسماعيل بن أبي خالد حديث جرير بن عبد الله ، وقال في روايته : ( لا تضارون في رؤيته ) .

                                وكذا في رواية أبي سعيد وأبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                                [ ص: 213 ] وقد خرج حديثهما البخاري في آخر ( كتابه ) .

                                ورويت : ( تضارون ) بتشديد الراء وتخفيفها .

                                فمن رواه بالتشديد ، فالمعنى : لا يخالف بعضكم بعضا فيكذبه ، كما يفعل الناس في رؤية الأشياء الخفية عليهم كالأهلة . يقال : ضاررته مضارة إذا خالفته ، ومنه سميت الضرة لمخالفتها الأخرى .

                                وقيل : المعنى : لا تضايقون ، والمضارة : المضايقة . ذكره الهروي .

                                ومن رواه بتخفيف الراء ، فهي من الضير ، والضير : الضر ، يقال : ضاره يضيره ويضوره ، إذا ضره . وهي قريبة من المعنى إلى الأولى .

                                وفي رواية أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب ؟ ) قالوا : لا . قال : ( فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب ؟ ) قالوا : لا . قال : ( فإنكم ترونه كذلك ) .

                                وفسر قوله : ( هل تمارون ) بأن المعنى : هل تشكون ، والمرية : الشك .

                                ويحتمل أن يكون المراد : هل يحصل لكم تمار واختلاف في رؤيتهما ؟ فكما لا يحصل لكم في رؤيتهما تمار واختصام ، فكذلك رؤية الله عز وجل .

                                والتماري والتنازع إنما يقع من الشك وعدم اليقين ، كما يقع في رؤية الأهلة .

                                وقوله في هذه الرواية : ثم قال : فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها هكذا في هذه الرواية ، وهذا إشارة إلى آية سورة ( طه ) ، وتلك إنما هي بالواو ( وسبح ) ، وفي الرواية السابقة فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب . وهو إشارة إلى آية سورة ( ق ) وهي بالفاء كما في الرواية .



                                الخدمات العلمية