الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          [ ص: 321 ] الفصل الثاني والعشرون : في إجابة دعائه - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا باب واسع جدا

          وإجابة دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - لجماعة بما دعا لهم ، وعليهم متواتر على الجملة ، معلوم ضرورة .

          وقد جاء في حديث حذيفة - رضي الله عنه - : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دعا لرجل أدركت الدعوة ولده ، وولد ولده .

          [ حدثنا أبو محمد العتابي بقراءتي عليه ، حدثنا أبو القاسم حاتم بن محمد ، حدثنا أبو الحسن القابسي ، حدثنا أبو زيد المروزي ، حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا عبد الله بن أبي الأسود ، حدثنا حرمي ، حدثنا شعبة ، عن قتادة ] ، عن أنس - رضي الله عنه - ، قال : قالت أمي : يا رسول الله ، خادمك أنس ، ادع الله له . قال : اللهم أكثر ماله ، وولده ، وبارك له فيما آتيته .

          ومن رواية عكرمة : قال أنس : فوالله إن مالي لكثير ، وإن ولدي ، وولد ولدي ليعادون اليوم على نحو المائة .

          وفي رواية : وما أعلم أحدا أصاب من رخاء العيش ما أصبت ، ولقد دفنت بيدي هاتين مائة من ولدي ، لا أقول سقطا ، ولا ولد ولد .

          ومنه دعاؤه لعبد الرحمن بن عوف بالبركة ، قال عبد الرحمن : فلو رفعت حجرا لرجوت أن أصيب تحته ذهبا ، وفتح الله عليه ، ومات فحفر الذهب من تركته بالفئوس حتى مجلت فيه الأيدي ، وأخذت كل زوجة ثمانين ألفا ، وكن أربعا ، وقيل مائة ألف ، وقيل : بل صولحت إحداهن ، لأنه طلقها في مرضه على نيف وثمانين ألفا ، وأوصى بخمسين ألفا بعد صدقاته الفاشية في حياته ، [ ص: 322 ] وعوارفه العظيمة : أعتق يوما ثلاثين عبدا ، وتصدق مرة بعير فيها سبعمائة بعير ، وردت عليه تحمل من كل شيء ، فتصدق بها ، وبما عليها ، وبأقتابها ، وأحلاسها .

          ودعا لمعاوية بالتمكين في البلاد ، فنال الخلافة . ولسعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - أن يجيب الله دعوته ، فما دعا على أحد إلا استجيب له .

          ودعا بعز الإسلام بعمر - رضي الله عنه - ، أو بأبي جهل ، فاستجيب له في عمر .

          قال ابن مسعود - رضي الله عنه - : ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر .

          وأصاب الناس في بعض مغازيه عطش ، فسأله عمر الدعاء ، فدعا ، فجاءت سحابة ، فسقتهم حاجتهم ، ثم أقلعت .

          ودعا في الاستسقاء ، فسقوا ، ثم شكوا إليه المطر ، فدعا ، فضحوا .

          وقال لأبي قتادة : أفلح وجهك ، اللهم بارك له في شعره ، وبشره ، فمات ، وهو ابن سبعين سنة ، وكأنه ابن خمس عشرة سنة .

          وقال للنابغة : لا يفضض الله فاك فما سقطت له سن .

          وفي رواية : فكان أحسن الناس ثغرا ، إذا سقطت له سن نبتت له أخرى ، وعاش عشرين ومائة سنة ، وقيل : أكثر من هذا .

          ودعا لابن عباس : اللهم فقهه في الدين ، وعلمه التأويل فسمي بعد الحبر ، وترجمان القرآن .

          ودعا لعبد الله بن جعفر بالبركة في صفقة يمينه ، فما [ ص: 323 ] اشترى شيئا إلا ربح فيه . ودعا للمقداد بالبركة ، فكانت عنده غرائر المال .

          ودعا بمثله لعروة بن أبي الجعد ، فقال : فلقد كنت أقوم بالكناسة ، فما أرجع حتى أربح أربعين ألفا .

          وقال البخاري في حديث : فكان لو اشترى التراب ربح فيه .

          وروي مثل هذا لغرقدة أيضا .

          وندت له ناقة ، فدعا فجاءه بها إعصار ريح ، حتى ردها عليه .

          ودعا لأم أبي هريرة فأسلمت .

          ودعا لعلي أن يكفى الحر ، والقر ، فكان يلبس في الشتاء ثياب الصيف ، وفي الصيف ثياب الشتاء ، ولا يصيبه حر ، ولا برد .

          ودعا لفاطمة ابنته الله ألا يجيعها ، قالت : فما جعت بعد .

          وسأله الطفيل بن عمرو آية لقومه ، فقال : اللهم نور له فسطع نور بين عينيه ، فقال : أخاف أن يقولوا مثلة ، فتحول إلى طرف سوطه ، فكان يضيء في الليلة المظلمة ، فسمي النور .

          ودعا على مضر فأقحطوا ، حتى استعطفته قريش ، فدعا لهم فسقوا .

          ودعا على كسرى حين مزق كتابه أن يمزق الله ملكه ، فلم تبق له باقية ، ولا بقيت لفارس رياسة في أقطار الدنيا .

          ودعا على صبي قطع عليه الصلاة أن يقطع الله أثره ، فأقعد .

          وقال لرجل يأكل بشماله : كل بيمينك فقال : لا أستطيع . فقال : ولا استطعت فلم يرفعها إلى فيه .

          وقال لعتبة بن أبي لهب : [ ص: 324 ] اللهم سلط عليه كلبا من كلابك ، فأكله الأسد .

          وقال لامرأة : أكلك الأسد فأكلها .

          وحديثه المشهور ، من رواية عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ، في دعائه على قريش حين وضعوا السلا على رقبته ، وهو ساجد مع الفرث ، والدم ، وسماهم . وقال : فلقد رأيتهم قتلوا يوم بدر .

          ودعا على الحكم بن أبي العاص ، وكان يختلج بوجهه ، ويغمز عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أي لا ، فرآه ، فقال : كذلك كن ، فلم يزل يختلج إلى أن مات .

          ودعا على محلم بن جثامة فمات لسبع ، فلفظته الأرض ، ثم وري فلفظته مرات ، فألقوه بين صدين ، ورضموا عليه بالحجارة .

          والصد : جانب الوادي .

          وجحده رجل ببيع فرس ، وهي التي شهد فيها خزيمة للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، فرد الفرس بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - على الرجل ، وقال : اللهم إن كان كاذبا فلا تبارك له فيها . فأصبحت شاصية برجلها ، أي رافعة .

          وهذا الباب أكثر من أن يحاط به .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية